المولى يقتضي العفو بلسانه المتعارف الذي هو محلّ إعتماد النّاس قطعا ويوجب تجريّهم على المعصية جزما وكذلك إعتمادهم على ما يرد من المولى في العفو من النقل بخبر الثقات ممّا لا شبهة فيه ، فتأمّل.
لا يقال : مجرّد إحتمال العقاب يكفي في حكم العقل بوجوب الاطاعة لاستقلاله في الحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فلا يكون إظهار العفو مع بقاء إحتمال المؤاخذة خلاف اللّطف.
لأنّا نقول : أوّلا : أنّه لو بني على كفاية مجرّد إحتمال المؤاخذة لم يكن دليل على كون الوعد والوعيد لطفا ، مع أنّ الكلام انّما هو على فرض كونهما لطفا وهو مما لا شبهة فيه أيضا ؛ لأنّ حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل لا ينافي كون الوعد والوعيد لطفا ؛ إذ لا شبهة في حصول القرب إلى الطّاعة والبعد إلى المعصية بهما غير ما كان حاصلا من نفس إحتمال العقاب بالنّظر إلى حكم العقل.
وهذا هو المناط في اللّطف ، ولا يشترط في تحقّقه عدم حكم العقل في مورده من وجه ضعيف كيف! وهم حكموا بأنّ تأكيد العقل بالشرع لطف ، والمقام أولى بكونه لطفا من حيث كون قول الشارع فيه تأكيدا لا تأسيسا.
وثانيا : أنّه لو بنى على كفاية مجرد إحتمال العقاب في رفع وجوب اللّطف على الحكيم ( تعالى ) فانّما هو فيما إذا لم يرد منه ما يقتضي عدم العقاب ولو بالطريق الظّني الذي عليه إعتماد العقلاء وأهل اللّسان. فهل ترى من نفسك الحكم بعدم إقدام العبد بإتيان ما أخبره المولى بلسانه المتعارف بالعفو عنه ممّا نهاه عنه من جهة إحتمال المؤاخذة؟ فهذا الإحتمال في حكم عدمه عند العقلاء ، فتأمّل.
وثالثا : أنّ هذا لا يتأتّى فيما ثبت العفو عنه قطعا كما في القصد إلى المعصية