وأمّا ما دلّ على نفي التكليف بالمعرفة ، فالمراد منه : إمّا بعض مراتبها المتعذّر في حقّ النّاس أو المعرفة التفصيليّة الحاصلة من الدليل التفصيلي المنسوب إلى الفصل والامتياز بين الأشياء في قبال الدليل الإجمالي المنسوب إلى الإجمال من إجمال بمعنى الجمع ؛ فانّ لنسبة الدليل إلى الاجمال وإن كانت إعتبارات شتّى يختلف بملاحظتها المعنى ، إلاّ أنّ المراد منه في المقام كون مقدّمات الدليل مجملة غير متمايزة حاضرة في النّفس من دون تفصيل وتميز بين الصغرى والكبرى فيها وإن كانت موجبة للتأثير في النتيجة ، لكنّه يعتبر التلفظ بهما وإجرائهما على اللّسان على الوجه المقرّر في المنطق كما هو الغالب في العوام ؛ حيث أنّ علومهم النظريّة حاصلة من الدليل الإجمالي بهذا المعنى.
فالإجمال وصف للمقدّمات باعتبار عدم تمايزها وإنفصال بعضها عن الآخر في العقل ، وهو المكتفي به في أصول الدّيانات كما عليه المحقّقون ، وهو المراد من أصحاب الجملة ـ في كلام شيخنا أبي جعفر الطّوسي ( قدّس الله نفسه الزكيّة وطيّب تربته الشّريفة ) في « العدّة » (١) كما ستقف عليه في ( بحث حجيّة الأخبار (٢) ) ـ الذين لا طريق لهم إلى المعرفة إلاّ المجملات المركوزة في جبلّة نفوسهم.
بل يمكن أن يقال : إنّ العلوم الحاصلة للخواصّ أيضا قد حصلت غالبا في ابتداء الأمر من هذا الدليل الإجمالي وإن حصل لهم التمكن من اقامة البرهان والّدليل التفصيلي بعد بلوغهم مقام العلم والاطّلاع على قوانين البرهان وشرائطه
__________________
(١) عدّة الاصول : ج ١ / ١٢٩ ـ ١٤٢.
(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٣١٢ فما بعد.