وترتيب الطبيعي بين مقدّماته هذا.
وقد يقال : إنّ المراد من أصحاب الجملة في كلام الشيخ قدسسره : من حصل لهم المعرفة بالإدراك البسيط ـ الحاصل لكلّ أحد في أصل فطرته ـ في مقابل الإدراك المركّب ـ وهو المعرفة الحاصلة بالاستدلال ـ كما يحصل للعقلاء المتفكّرين في الصّفات والآثار فهي ليست ممّا يحصل للجميع وعليه مدار التفاضل بين العلماء والمراتب بين النّاس. وقد قيل في نظم الفرس :
( دانش حق ذوات را فطريست* دانش ذاتش است كان فكريست ) (١)
هذا وعليه يحمل ما ورد من الأخبار والآثار التي أدّعي دلالتها على كون معرفة الله تعالى فطريّة ، فإن مجرّد عرفان الرّب بالأدراك البسيط الفطري المركوز في نفوس الحيوانات فضلا عن الإنسان بمعنى العلم بأنّ للمربوب ربّا لا ينكر كونه أمرا قهريّا ، فلا يتعلّق به التكليف.
إلاّ أنّ المراد من المعرفة المأمور بها في الآيات والأخبار التي تكون غاية للخلق مرتبة أعلى منها غير حاصلة قهرا بالقطع واليقين ، فانّ المكتفى به من معرفة الرّب ـ كما ستقف على تفصيل القول فيه في العقائد ـ العلم بأنّه واجب الوجود لذاته وبصفاته الثبوتيّة والسّلبيّة ، ومن الواضح أنّ معرفة الربّ بهذا المعنى ليست فطريّة قطعا ، هذا.
مضافا إلى أنّ المعتبر في الاصول ليس عرفان الرب جلّ اسمه فقط ، بل عرفان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وغيره ممّا يعتبر في أصول الدّيانات ودعوى كون جميع ذلك
__________________
(١) انظر الأسفار : ج ١ / ١١٨.