فيجوز لنا تركه بل يجب ـ تحرّزا عن حصول القبيح مع علمنا بحسنه ـ فكذلك الحال فيما اشتبه علينا الحال فلم نتمكّن من تميز القبيح عن الحسن فيحسن في حقّنا ارتكاب القبيح أو ترك الحسن للتّوصّل إلى الأهمّ ؛ فيحسن من الشّارع أن يلزمنا به مع قضاء المصلحة لعدم وضع أسباب التّميز.
ومن هذا جملة من الطّرق الشّرعيّة بالنّسبة إلى مواردها الّتي لا سبيل لنا إلى تحصيل العلم بها كأخبار الآحاد والشّهادات ؛ فإنّها وإن لم يستلزم الإصابة للواقع ، بل قد يتخلّف عنها لكنّ الغالب فيها الإصابة ، فجاز أن يحسن منّا الأخذ بها بجميع مواردها ـ حتّى موارد التخلّف مع عدم العلم به ـ وأن يحسن من الشّارع أن يكلّفنا به تحصيلا لما هو الغالب فيها من الإصابة. وأمّا بالنّسبة إلى الموارد الّتي يتمكّن فيها من تحصيل العلم بالواقعة فتسويغ الأخذ بتلك الأمارات مبنيّ على الوجه السّابق.
ثمّ هذا مبنيّ على ما حقّقناه في محلّه : من أنّ حسن الفعل وقبحه ليس من لوازمه وذاتيّاته غالبا بل مبناهما على الوجوه والاعتبارات اللاّحقة له ، فيختلفان باختلاف الأحوال ، فيصحّ في قتل النّفس المحترمة الّذي هو قبيح قبل قيام الشهادة الزّور المعتبرة في ظاهر الشّريعة أن يكون حسنا بعد قيامها ، وهكذا الكلام في نظائر ذلك.
وأمّا ما يجاب به ـ من أنّ الغرض الدّاعي إلى تشريع الأحكام أمران : أحدهما : الوصول إلى لوازمها وجهاتها الواقعيّة ، والثّاني : إظهار الامتثال والعبوديّة. والأمر الأوّل وإن جاز تخلّفه من التّعويل على تلك الطّرق إلاّ أنّ الأمر الثّاني ممّا لا يتخلّف بعد تشريع الشّارع لها والأمر بمقتضاها جميع أنبيائه على ما