ثمّ إنّه لمّا لم يقم برهان ودليل عندنا على حرمة العمل بما ليس بحجّة ذاتا حتّى في الظّنون الّتي ثبت عدم حجيتها بالدّليل القطعي كالقياس وأشباهه بل كان مقتضى الدّليل خلافه ، وكان العقل مستقلاّ على سبيل البداهة بقبح التشريع وحرمته ـ فضلا عن تطابق الأدلّة النّقليّة عليه ـ وكان متحقّقا في صورة الشّك أيضا ـ على ما هو قضيّة التّحقيق تبعا للمحقّقين وإن خالف فيه بعض حسبما ستقف عليه إن شاء الله تعالى ـ كما أنّه يستقلّ بحسن الاحتياط أينما يتحقّق تعيّن الحكم بحرمة العمل بما لم يرد التعبّد به من الشّارع ولو بلسان العقل على الوجه الأوّل ، كما أنّه تعيّن القول برجحان العمل به على الوجه الثّاني وجواز العمل به على الوجه الثّالث.
وأمّا العمل عليه على الوجه الرّابع فلا إشكال في عدم جواز العمل به ، سواء كان موجبا لطرح الواقع الأوّلي على سبيل الاحتمال ـ كما إذا عمل به مع التمكن من تحصيل الواقع على سبيل اليقين ـ أو الواقع الثّانوي على سبيل اليقين أو الاحتمال ـ كما إذا عمل بالظّن المشكوك الاعتبار مع عدم الفحص عن وجود الأصل أو الدليل في المسألة المخالفين للظّن بحسب المفاد بناء على أنّه لا يجب الاستناد إلى الأصل أو الدّليل في صورة التوافق على ما هو التّحقيق ، فالعمل بغير العلم قد يكون راجحا وقد يكون مرجوحا من جهة وقد يكون مرجوحا من جهتين وقد يكون متساويا.
إنّما الكلام والإشكال في أنّه هل يستحقّ العقاب على العمل بالظّن حينئذ فيما لم يكن عدم جواز العمل به من جهة مجرّد احتمال ترتّب خلاف الواقع عليه؟ فإنّه لا إشكال في أنّ عدم جواز العمل به حينئذ إنّما هو من باب حكم العقل من