الشّرعيّة. وأمّا قوله عليهالسلام : ( رجل قضى بالحقّ ) (١) المشير إلى الجهة الثّانية : فلأنّ المراد من الحقّ هو الحكم الصّادر من الشّارع سواء كان واقعيّا أو ظاهريّا. فالمراد أنّه يجب ترك العمل بالظّن من حيث كونه في معرض تفويت الحقّ ؛ ضرورة أنّ المراد منه ليس مجرّد الأخبار فكأنّه قال : يجب ترك العمل بالظّن لأنّه ليس بحقّ ولا يغني منه ، وإن كان فيه نوع من الإرشاد ولا ينافي ذلك ما نحن بصدده فتأمّل.
وأمّا قوله عليهالسلام : ( من أفتى النّاس بغير علم ) (٢) وإن كان له ظهور في الحرمة التّشريعيّة أيضا ، باعتبار لفظ الإفتاء إلاّ أنّه لا بدّ من صرفه عن ظاهره بقرينة قوله :
( كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ) (٣) حيث إنّه لا صلاح في العمل بغير العلم بعنوان التّشريع أصلا ، بل هو فساد محض. وقد أثبت أكثريّة الفساد في الرّواية لا كليّته فلا بدّ من أن يحمل على بيان الحرمة من الجهة الثّانية ، أي : طرح الحقّ الواقعي أو الظّاهري هذا.
وقد يستشكل في البيان المذكور من جهتين :
أحدهما : أنّ الإفتاء للناس بغير العلم لا ينفك عن التّشريع فتدبّر.
ثانيهما : أنّ أكثرية الفساد ـ على تقدير حملها على ما إذا عمل بغير العلم من غير استناد ـ إنّما هو على تقدير كون مخالفة الظن للأصل أكثر من موافقته. اللهمّ
__________________
(١) الكافي : ج ٧ / ٤٠٧ باب « أصناف القضاة » ـ ح ١ ، عنه وسائل الشيعة : ج ٢٧ / ٢٢ باب ٤ من أبواب صفات القاضي ـ ح ٦ ، وقد أورده الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب وقد مرّت الإشارة إلى تخريجها قريبا فراجع ذيل التعليقة رقم ١٤٦.
(٢) مستدرك الوسائل : ج ١٧ / ٢٤٨ ب ٤ « من أبواب صفات القاضي » ـ ح ١٤.
(٣) المصدر السابق بعينه.