الّذي ذكره ( دام ظلّه ) في كلّ من صورتي انسداد باب العلم في المسألة وانفتاحه ـ في غاية الإشكال ؛ لأنّ لازم الانسداد في مسألة مع عدم شمول دليل الأصل لما يكون الظّن قائما على خلافه ، ليس هو التّديّن بمقتضى الظّن تعيينا أو تخييرا بينه وبين الأخذ بالأصل على أبعد الوجهين ، بل التوقف في مقام الظّاهر وعدم الحكم بشيء ، لا بمقتضى الأصل ولا بمقتضى الظّن على خلافه ، والرّجوع إلى التّخيير العقلي في مقام العمل من حيث إنّه لا مندوحة للمكلّف من الفعل والتّرك ، لا بمعنى أنّه ينشئ العقل للمكلّف حكما وهو التّخيير ، ولم يقم دليل على عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الظّاهري إذا لم يحتج إليه. نعم ، لو كان محتاجا إليه كما إذا كان التكليف تعبّديا لم يكن مناص عن البناء على الحكم الظّاهري.
وبالجملة : الذي قام عليه الدّليل ونطق به السّنة والإجماع عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الواقعي. وأمّا عدم جواز خلوّها عن الحكم الظّاهري إذا لم يتوقف العمل عليه ، فلم يقم به دليل أصلا كما اعترف به ( دام ظلّه ) في الجزء الثّاني من « الكتاب » (١) وغيره من أفاضل المتأخّرين.
وإن كان المراد من الانسداد : هو الانسداد الغالبي الّذي جعله المتأخّرون دليلا على حجيّة مطلق الظّن ، ففيه ـ مع أنّه مخالف لظاهر كلام الأستاذ العلاّمة جدّا ـ : أنّ سقوط الأصول من الاعتبار على هذا التّقدير ليس من جهة قيام الظّن على خلافها بل من جهة العلم الإجمالي فتأمّل. مضافا إلى أنّ إنتاج مقدّمات برهان الانسداد لحجيّة الظّن ليس مسلّما عند الأستاذ العلاّمة.
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٨٥.