ومن هنا ذهب جماعة إلى التّوقف في المجاز المشهور ، فلا يحمل اللّفظ عندهم على خصوص الحقيقة أو المجاز إلاّ بعد قيام القرينة على إرادة أحد المعنيين. منهم : المصنّف في ظاهر كلامه في « الكتاب » كما سيجيء إن شاء الله تعالى. وقد خالف فيه جماعة فرجّحوا الحمل على الحقيقة ، وآخرون فحملوه مع الإطلاق على المجاز.
والأظهر : بمقتضى ما بيّناه : التّفصيل ، والقول بكلّ من الأقوال المذكورة بحسب اختلاف مراتب الشّهرة ، فإن لم تكن بالغة إلى حدّ يعادل الظّهور الحاصل من ملاحظتها ـ ظهور الحقيقة ـ تعيّن الحمل على الحقيقة. وإلاّ فإن كان معادلا للحقيقة في الرّجحان لزم التّوقف ، فلا يحمل اللّفظ على أحد المعنيين إلاّ لقرينة دالّة عليه. وإن كانت ملاحظة الاشتهار مرجّحة للحمل على المجاز : بأن كان الظّهور الحاصل منها غالبا على الظّهور الحاصل من الوضع ، كان المتعيّن حمله على المجاز.
ويجري ما ذكرناه من التّفصيل بالنّسبة إلى سائر القرائن القائمة في المقام ممّا ينضم إلى ظاهر الكلام. فإنّه قد يقرب المعنى المجازي إلى الفهم ، من غير أن يبلغ به في الظّهور إلى درجة الحقيقة فتعيّن معها الحمل على الحقيقة أيضا ، وإن ضعف فيها الظّهور الحاصل من قبلها ، أو يجعله مساويا لإرادة الحقيقة أو غالبا عليها ، فيتوقّف في الأوّل ولا يحمل اللّفظ على الحقيقة مع عدم كون القرينة صارفة عنها إلى غيرها ، وإن صرفه عن الحمل عليها وجعلت إرادة المجاز مكافئة لإرادتها فدار الأمر بين إرادته وإرادتها وتعيّن حمله على المجاز في الأخير ؛ لبناء المخاطبات على الظّنون الحاصلة من العبارات ـ سواء كانت حاصلة