أريد ـ من الإجماع على اعتبار الظّن في اللغات ـ الإجماع عليه في الجملة ، فهو مسلّم لا نزاع فيه أصلا ، لكنّه لا يجدي الخصم. وإن أريد الإجماع عليه مطلقا ، فهو في حيّز المنع ، ألا ترى اختلافهم في حجيّة الاستقراء الظّني والشّهرة ونحوهما ممّا يعدّ في المسألة؟
الثّاني : أنّ عادة العقلاء جرت على اعتبار الظّن فيما ينتظم به أمورهم حيث لا طريق إلى العلم ، لأنّ أرباب العلوم النّقليّة ، يعتمدون على الأمارات الظّنية. ألا ترى أنّ النحاة واللّغويّين يعتمدون على استعمالات أهل اللسان نظما ونثرا؟ كأشعار مثل إمرئ القيس. وأهل المعاني على أمور اعتبارية؟ والأصوليّين على كثرة الاستعمال وغلبته؟ والتّجار على المكاتيب؟ إلى غير ذلك. وهذه الطّريقة ممّا أمضاه الشّارع وإلاّ لنهى عن سلوكها في الشّرعيّات.
وفيه : أنّه لم يعلم معنى محصّل لهذا الاستدلال ؛ فإنّه إن كان الغرض منه : كون العادة ، جارية على العمل بالأمارة الظّنية في الجملة على أنحاء مختلفة متشتّتة فيعملون بالظن بالمراد إذا حصل من اللّفظ دون الخارج إذا لم يكن مستندا إلى القرينة المعتبرة وهكذا ، فهذا لا يجدي شيئا ؛ إذ لم يذهب أحد من علماء الإسلام إلى إنكار العمل بالظّن رأسا.
وإن كان الغرض منه كون العادة من العقلاء والشّارع جارية على الأمارات الظّنية مطلقا في جميع الأمور ، بأيّ شيء قامت ، وفي أيّ مسألة كانت فهو مخالف للحسّ الوجدان في العاديّات أو الشّرعيّات. ألا ترى إلى نفي الشّارع لاعتبار الظّن في باب النّجاسة وفي اعتبار البيّنة العادلة وما بمنزلتها في المرافعات؟ إلى غير ذلك.