وإلى عدم اعتناء العقلاء بمطلق الظّن في الأمور الخطيرة إذا لم يستند إلى أخبار من يعتمد عليه من أهل الخبرة؟ إلى غير ذلك هذا.
مضافا إلى أنّ نهي الشّارع من العمل بالأمارة بل مطلق غير العلم في الكتاب والسّنة ممّا شاع وذاع وبلغ كلّ أحد وقرع سمع كلّ جاهل فضلا عن العلماء.
الثّالث : الإجماع على اعتبار الظن في الموضوعات من كلّ أحد. فإنّ المجتهدين ذهبوا إلى العمل بالظن في الأحكام وموضوعاتها. والأخباريّين منعوا من العمل عليه في الأحكام ، ووافقوا المجتهدين في العمل عليه في الموضوعات.
وفيه : أنّه إن أريد ـ ممّا ذكر ـ ذهاب المجتهدين إلى العمل بالظّن مطلقا في الأحكام والموضوعات واتفاقهم عليه ، وذهاب الأخباريّين إلى المنع عنه في الأحكام مطلقا وإثبات العمل عليه في الموضوعات كذلك ـ فهو افتراء على الفريقين ؛ إذ ما من أحد من العلماء إلاّ أنّه يعمل بالظّن في الجملة في الأحكام ، ولو كان ظواهر الألفاظ في الموضوعات ، ولو كان مثل البيّنة وأصالة الصحة والقرعة ونحوها ، وترك العمل به في الجملة في الأحكام والموضوعات. وإن أريد منه إثبات القضيّة المهملة فقد عرفت : أنّه لا يجدي نفعا في إثبات المدّعى.
الرّابع : دليل الانسداد الّذي تمسّك به غير واحد ممّن ذهب إلى حجيّة الظّنّ في المقام مطلقا تصريحا وتلويحا ، بل هو العمدة في كلماتهم في إثبات المطلب وله بيانات في كلماتهم ، أوضحها : أنّه لا ريب ولا إشكال ولا خلاف في أنّ الطّريق الوافي المتكفّل لبيان أغلب الأحكام بل كلّها تفصيلا ، إلاّ ما شذّ وندر ، ـ غير الضّروريّات الدّينيّة ـ الكتاب والسّنة القوليّة ، وموضوع الأحكام الشّرعيّة فيهما