فإذا فرض انفتاح باب العلم والظّن الخاص في الأحكام ، فلا مانع من الرّجوع إلى الأصل في المسائل المشكوكة لقلّتها ، وإن كان عدم العلم بها مستندا إلى انسداد باب العلم في اللّغات كما لا يخفى.
فإن قلت : انسداد باب العلم باللّغات ، ليس من حيث هو ، دليلا على حجيّة مطلق الظّن فيها ، بل من حيث إيجابه لانسداد باب العلم في الأحكام ؛ ضرورة عدم اقتضائه لذلك من دون الملاحظة المسطورة. فالمدّعى : أنّ عدم حجيّة الظّن في اللّغات ، موجب لسدّ باب استنباط الأحكام من الكتاب والسّنة القوليّة.
والفرق بينه وبين إجراء دليل الانسداد في الأحكام ابتداء وبالذّات من غير استناده إلى انسداد باب العلم باللّغات واضح ؛ إذ مقتضى الأوّل ونتيجته : حجيّة مطلق الظّن في خصوص اللّغات. ومقتضى الثّاني ونتيجته : حجيّة مطلق الظّن في الأحكام ، من أيّ شيء حصل.
فإن شئت قلت : نفرض جميع جهات الأخبار كالآيات قطعيّة أو مظنونة بالظّن الخاصّ غير ألفاظها فيصير الانسداد في الألفاظ موجبا للانسداد في الأحكام ، فإذا فرض سائر الجهات ثابتة ومفروغا عنها ، فلا محالة يكون معنى حجيّة الظّن في الأحكام المنسدّ فيها باب العلم ، حجيّة الظّن في اللّغات ، كما أنّ معنى حجيّة الظّن في اللّغات يكون حجيّة الظّن في الأحكام.
قلت : الحجّة ـ بعد انسداد باب العلم في الأحكام ولو كان من جهة انسداد باب العلم في اللّغات بالمعنى المزبور ـ هو الظّن بالحكم الشّرعي ، لا الظّن بالوضع كيفما اتّفق. والنّسبة عموم من وجه كما هو واضح. فالنّتيجة على تقدير تسليم المقدّمات ليست حجيّة مطلق الظّن باللّغة ؛ من حيث إنّه ظنّ بها ـ كما هو المدّعى ـ