الرّابع : حكم العقل أيضا لا من حيث حكمه بقبح التجري ، بل من جهة الترديد والدّوران.
بيانه : إنّه إذا فرضنا شخصين قاطعين بحرمة مائعين ، بأن قطع أحدهما بحرمة أحد المائعين والآخر بحرمة الآخر فشرباهما فاتّفق مصادفة قطع أحدهما للواقع ومخالفة قطع الآخر له ، فإمّا أن نقول باستحقاقهما العقاب ، أو نقول بعدم استحقاقهما العقاب ، أو نقول باستحقاق من لم يصادف قطعه الواقع دون من صادف ، وإمّا أن نقول باستحقاق من صادف قطعه الواقع دون من لم يصادف.
لا سبيل إلى القول بأحد من الثلاثة الأخيرة ، فتعيّن القول بالأوّل.
أمّا عدم السبيل إلى الأوّلين منها : فممّا لا يخفى وجهه على الأوائل مضافا إلى اعتراف الخصم به.
وأمّا عدم السّبيل إلى الأخير الذي يقول به الخصم : فلاستلزامه القول باناطة استحقاق الثواب والعقاب بما هو خارج عن الاختيار وهو باطل بالضّرورة.
أمّا الملازمة : فلانّ المفروض مساوات الشخصين في جميع الأمور غير مصادفة القطع للواقع وعدم مصادفته له ، ومن المعلوم ضرورة أنّ هذه المصادفة وعدمها ليسا من الأمور الاختيارية للقاطع حتى يناط بهما الاستحقاق في طرف الثواب والعقاب ، فيلزم ما ذكرنا ، هذا.
وهذه الوجوه الثلاثة كلّها وان كانت راجعة إلى الاستدلال بحكم العقل بالمآل ، إلاّ أنّ من المعلوم عدم لزوم التكرار في الاعتماد بها ؛ لابتناء كلّ وجه على ما لا يبتني عليه غيره من الوجوه.