ما بلغت وعلمناه نحن ، لم يجنها بعضنا على بعض. وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به ما مضى ونصلح ما بقي. وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة ولا بيعة ، فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت. وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف ، وقد والله رقت الأكباد وذهبت الرجال. ونحن بنو عبد مناف ، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز ولا يسترق به ذليل ، والسلام).
قال سليم : فلما قرأ علي عليهالسلام كتابه ضحك وقال : العجب من معاوية وخديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له : أكتب : أما بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه (أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض) ، وإنا وإياك ـ يا معاوية ـ على غاية منها لم نبلغها بعد. وأما طلبك الشام ، فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس. وأما استواؤنا في الخوف والرجاء ، فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين ، وليس أهل الشام أحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض) ، فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق. في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم ، والسلام). (١)
قوله عليهالسلام (ولكن ليس أمية كهاشم) :
اراد عليهالسلام بهذه المقارنة الاشارة الى ان بني امية ينتسبون الى امية (الاكبر) بن عبد شمس بن عبد مناف ولم ينسبهم الى جدهم عبد شمس لانهم ليسوا العقب الوحيدة له ، وبنو هاشم ينتسبون الى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وليس لهاشم عقب من غير عبد المطلب.
قوله عليه السالم (ولا حرب كعبد المطلب) :
مرت علينا قصة اجارة عبد المطلب لحرب ، وقصة هبته له كمية من المال ، ومن
__________________
(١) سليم بن قيس ، كتاب سليم ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، الكراجكي ، كنز الفوائد ص ٢٠١ ، الدينوري ، الأخبار الطوال ص ١٨٧ ، المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ج ٣ ص ١٣ ـ ١٤.