إلى المدائن فننزلها ونأخذ بأبوابها ونخرج منها سكّانها ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة ، فيقدمون علينا. فقال زيد بن حصين : إنّكم إن خرجتم مجتمعين اُتْبِعْتُم ولكن اخرجوا وحداناً مستخفّين ، فأمّا المدائن فإن بها من يمنعكم ، ولكن سيروا حتى تنزلوا جسر النهروان وتكاتبوا اخوانكم من أهل البصرة ، قالوا : هذا هو الرأي.
وكتب عبدالله بن وهب إلى من بالبصرة منهم يعلمهم مااجتمعوا عليه ، ويحثّهم على اللحاق بهم وأرسل الكتاب إليهم ، فأجابوه أنّهم على اللحاق به.
فلمّا عزموا على المسير (١) ، تعبّدوا ليلتهم وكان ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ، وساروا يوم السبت فخرج شريح بن أوفى العبسي ، وهو يتلو قول الله : ( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبْ قالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * ولمّا تَوَجَّهَ تِلْقآءَ مَدْيَنَ قالَ عَسَى رَبِّي أن يَهْدِيَنِي سَوآءَ السَبِيلِ ) (٢).
ثمّ إنّ الخوارج تقاطرت من البصرة والكوفة حتى نزلوا جسر نهروان ، فصاروا جيشاً عظيم العدد والعُدَّة ، وكانت الأخبار عن أفعالهم الشنيعة تصل إلى الناس ففشى الرعب فيهم ، ولأجل ذلك ألحّ الواعون من ضباط علي على مناجزة هؤلاء ثم المسير إلى الشام ، فأجابهم الإمام ، وإليك بيان ما ارتكبوا من الجرائم.
روى الطبري عن أبي مخنف عن حميد بن هلال : انّ الخارجة التي أقبلت من البصرة جاءت حتى دنت من اخوانها بالنهر فخرجت عصابة منهم ، فإذا هم برجل يسوق بامرأة على حمار ، فعبروا إليه فدعوه فتهدّدوه وافزعوه وقالوا له من أنت؟ قال : أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
١ ـ المقصود الخوارج المتواجدون في الكوفة وأطرافها أعني الحرورية.
٢ ـ القصص : ٢١ـ٢٢ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٥٤ ـ ٥٥.