إليهم الحارث بن مرّة العبدي ليأتيهم فينظر فيما بلغ عنهم ويكتب به إليه على وجهه ولايكتمه ، فخرج حتى انتهى إلى النهر ليسألهم ، فخرج القوم إليه فقتلوه ، وأتى الخبر أمير المؤمنين والناس ، فقام إليه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين عَلامَ تدع هؤلاء يخلفوننا في أموالنا وعيالنا؟ سر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينهم صرنا إلى عدوّنا من أهل الشام ، فقبل علي فنادى بالرحيل ، ولمّا أراد علي المسير إلى أهل النهر من الأنبار ، قدم قيس بن سعد بن عبادة وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حتى يأمره بأمره ، ثمّ جاء مقبلا إليهم ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر وبعث إلى أهل النهر : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم ، ثمّ أنا تارككم وكاف عنكم حتى نلقى أهل الشام ، فلعلّ الله يقلب قلوبكم ، ويردّكم إلى خير ممّا أنتم عليه من أمركم ، فبعثوا إليه وقالوا : كلّنا قتلناهم وكلّنا نستحلّ دماءهم ودماءكم. ولمّا وصل على جانب النهر وقف عليهم فقال :
أيّتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة ، وصدّها عن الحقّ الهوى ... إنّي نذيركم ان تصبحوا تلفيكم الاُمّة غداً صرعى بأثناء هذا النهر ، وبأهضام هذا الغائط بغير بيّنة من ربّكم ولابرهان بيّن ، ألم تعلموا أنّي نهيتكم عن الحكومة ، وأخبرتكم أنّ طلب القوم إيّاها منكم دهن ومكيدة لكم ، ونبّأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وانّي أعرف بهم منكم ، عرفتهم أطفالا ورجالا ، فهم أهل المكر والغدر ، وانّكم إن فارقتم رأيي ، جانبتم الحزم ، فعصيتموني حتى إذا أقررت بأن حكمت ، فلمّا فعلت شرطت واستوثقت ، فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وان يميتا ما أمات القرآن ، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنّة ، فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا الأوّل فما الذي بكم؟ ومن أين أتيتم؟ قالوا : إنّا حكمنا فلمّا حكمنا أثمنا وكنّا بذلك