ثانياً : نفترض صحّة الحديث ولكن القوم كانوا عصاة وبغاة ، خارجين على الإمام المفترض عليهم طاعته ، والعصاة عندكم كفّار ، وعندنا فسّاق ولا حرمة للكافر ، والفاسق يقتل في ظروف خاصّة ، خصوصاً إذا بغى على الإمام الّذي أصفقت الاُمّة على إمامته وخلافته ، قال سبحانه : ( وان طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلحُوا بَيْنَهُما فَإنْ بَغَتْ إحْدَاهُما عَلَى الاُخْرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ الله فَإِنْ فَاءَتْ فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ واقْسِطُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) (١).
فقد برّر سفك دمائهم بغيهم وخروجهم على الإمام المفترض طاعته ، وعلى ضوء ذلك فلا معنى لقوله : « فهل أوجب الإيمان سفك دمائهم؟ ... ».
٢ ـ إنّ الشاعر في قوله : تركتهم جزر السباع ... » يشير إلى أنّ الإمام قتلهم ثمّ تركهم مثل من تفتكه السباع وتتركه ، ولكن التاريخ يشهد على خلافه. يقول الطبري :
« طلب عديّ بن حاتم ابنه طرفة فوجده فدفنه ، ثمّ قال : الحمد لله الّذي ابتلاني بيومك على حاجتي إليك ، ودفن رجال من الناس قتلاهم ... »
بل الإمام قام بعطف إنساني قدير. يقول الطبري :
« وطلب من به رمق منهم فوجدوهم أربعمائة رجل ، فأمر بهم عليّ فدفعوا إلى عشائرهم ، وقالوا : احملوهم معكم ، فداووهم ، فإذا برأوا فوافوا بهم الكوفة ، وخذوا ما في عسكرهم من شيء ، قال : وأمّا السلاح والدواب وما شهدوا عليه الحرب فقسّمه بين المسلمين ، وأمّا المتاع والعبيد والإماء فإنّه حين قدم ردّه على أهله » (٢).
__________________
١ ـ الحجرات : ٩.
٢ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٦٦.