الحقّ ، فترك حكم الله ، وحكم بحكم الجاهلية ، فإنّ الحكم حكمان امّا إلهّي وامّا جاهلي ، فإذا ترك الأوّل يكون من قبيل الثاني ، قال سبحانه : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ ) (١).
وأما كونه فاسقاً ، فإنّ الفسق هو الخروج عن طاعة الله ، يقال : فسقت التمرة : إذا خرجت قشرتها ، فالحاكم بغير ما أنزل الله خرج عن طاعة الله.
وأمّا كونه كافراً ، فلأنّ الآية حسب شأن نزولها وردت في قوم ينكرون الرجم في توراتهم ، ولأجله يحكمون بغير ما أنزل الله ، فيكون هذا قرينة على أنّ الكفر لأجل انكار ما أنزل الله في الكتب السماوية ، وإلى ذلك ينظر ما نقله الرازي عن بعضهم : انّ قوله ( ومنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أنْزَلَ الله ) إنّما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه ، أمّا مَن عرف بقلبه كونه حكم الله ، وأقرّ به بلسانه ، إلاّ أنّه أتى بما يضاده ، فهو حاكم بما أنزل الله تعالى ولكنّه تارك له ، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية (٢).
وعلى ضوء ذلك فالآية تختصّ بالجاحد لحكم الله الوارد في كتابه ، المستلزم لانكار رسوله الّذي أتى به في الكتاب.
٥ ـ ( فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لاَ يَصْلَـهَا إِلاَّ الاَْشْقَى * الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) (٣).
وجه الاستدلال ، انّ الآية تحصر الداخل في النار في الكافر ، حيث يقول : ( إلاّ الأشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ تَوَلَّى ) فبما أنّ المسلمين اتّفقوا على دخول الفاسق في النار ، يلزم أن يكون الفاسق كافراً.
يلاحظ عليه : أنّ الآية تحصر الخلود في النار والمقيم فيها في المكذّب
__________________
١ ـ المائدة : ٥٠.
٢ ـ الرازي : مفاتيح الغيب ٣ / ٤٢١.
٣ ـ اللّيل : ١٤ ـ ١٦.