لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ) الّذي هو وصف عامّ لكل من اُوتي كتابه بشماله ، ولو أردنا صوغ الاستدلال في قالب علمي نقول : مرتكب الكبيرة يؤتى كتابه بشماله ، وكلّ من كان كذلك فهو ممّن لا يؤمن بالله العظيم ، فينتج : انّ مرتكب الكبيرة ممّن لا يؤمن بالله العظيم.
يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال مبني على أنّ المراد من الموصول في قوله : ( وامّا من ... ) كل من يؤتى كتابه بشماله سواء كان جاحداً أو غير جاحد ليشمل المسلم المؤمن المرتكب للكبيرة ، ولكن المراد منه القسم الخاص من هذه الطائفة أعني الجاحد بالله العظيم ، أي من لم يوحّد الله سبحانه في دار التكليف ، والدليل على ذلك هو التعليل الوارد في الآية الاُخرى أعني قوله : ( إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ) فذيل الآية قرينة على اختصاص الموصول مع صلته ، بالجاحد ، لا المؤمن المذعن بكل الشرائع ، لوضوح انّه ليس كل مرتكب الكبيرة غير مؤمن بالله العظيم وليس ارتكاب الكبيرة دليلاً على عدم الإيمان به لقضاء الضرورة على بطلانه.
ويؤيّد ذلك انّه علّل دفع الكتاب إلى الظهر في بعض الآيات الّذي هو بمنزلة دفعه إلى شماله بأنّه كان غير مؤمن بالآخرة قال سبحانه : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً ... إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ) (١) ومعنى قوله « لن يحور » إنّه لا يرجع إلى الحياة في الآخرة.
١٥ ـ ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَزِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَزِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَـلِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَـلِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ) (٢).
__________________
١ ـ الانشقاق : ١٠ ـ ١١ و ١٤.
٢ ـ المؤمنون : ١٠٢ ـ ١٠٥.