قال الراوي : لا والله الذي بعث محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحق ماسمعنا برئيس قدم منذ خلق الله السموات والأرض ، أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب. إنّه قتل فيما ذكره العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب (١).
ثمّ قام علي خطيباً وقال : أيّها النّاس قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلا آخر نفس ، وإنّ الاُمور إذا اقْبلت اعتُبر آخرُها بأوّلها ، وقد صبر لكم القوم على غير دين ، حتّى بلغنا منهم ما بلغنا ، وأنا عاد عليهم بالغداة ، أحاكمهم الى الله عزّوجل.
فبلغ ذلك معاوية فدعا عمروبن العاص فقال : يا عمرو انّما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل ، فمّا ترى؟ قال : إنّ رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله ، هو يقاتلك على أمر ، وأنت تقاتله على غيره. أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون عليّاً إن ظفر بهم ، ولكن ألق إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا ، وإن ردّوه اختلفوا ، ادْعهم إلى كتاب الله حكماً فيما بينك وبينهم ، فإنّك بالغ به حاجتك في القوم فإنّي لم أزل اُأخّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه ، فعرف ذلك معاوية ، فقال صدقت (٢).
يقول تميم بن حذيم : لمّا أصبحنا من ليلة الهرير ، نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام فلمّا أسفرنا فإذا هي مصاحف قد ربطت أطراف الرماح ، وهي عِظامُ مصاحِف العسكر ، وقد شدّوا ثلاثة أرماح جميعاً ، وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم ، يُمسكه عشرة رهط ، وقال أبوجعفر وأبوالطفيل : استقبلوا عليّاً بمائة مصحف ، ووضعوا في كل مُجَنَّبة مائتي مصحف ، وكان
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٤٧٧.
٢ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٤٤ ـ ٥٤٨.