يعرفونها ويعلمون بها ، ولكنّها الخديعة والمكيدة. أعيروني سواعِدَكم وجَماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ، ولم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا » (١).
وقد كان لخطاب علي أثر إيجابي في قلوب المؤمنين الواعين حيث أدركوا ماذا خلف الكواليس من مؤامرات وفتن ، وحجبت البساطة فهم ذلك على قلوب القشريين من أهل البادية ، الذين ينخدعون بظواهر الاُمور ، ولا يتعمّقون ببواطنها ، ففوجىء علي عليهالسلام بمجييء زهاء عشرين ألفاً مقّنعين في الحديد شاكي سيوفهم وقد اسودَّت جباههم من السجود يتقدّمهم مِسْعَر بن فدكي ، وزيد بن حصين ، وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعد ، فنادوه بإسمه لا بإمرة المؤمنين وقالوا : يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيتَ وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم.
فقال الإمام لهم : « ويحكم أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله ، وأوّل من أجاب إليه ، وليس يحلّ لي ولا يسعني في ديني أن اُدْعى إلى كتاب الله فلا أقبله ، إنّي إنّما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن ، فانّهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده ، ونبذوا كتابه ، ولكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم ، وأنّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون » قالوا : فابعث إلى الأشتر ليأتينّك ، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.
فلم يجد علي عليهالسلام بداً من بعث رسول إلى الأشتر ليأتيه ، فأرسل إليه علي ، يزيد بن هاني أن ائتني ، فأتاه ، فأبلغه ، فقال الأشتر : ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي ، أنّي قد رجوت الفتح فلا تعجلني ، فرجع يزيد بن هاني إلى علي عليهالسلام فاخبره ، فما هو إلاّ أن
__________________
١ ـ ابن مزاحم : وقعة صفّين ٥٦٠.الطبري : التاريخ ٤ / ٣٤ ـ ٣٥.