سلّوا سيوفهم واضعيها على عواتقهم فقالوا : يا أمير المؤمنين ما تنظر بهؤلاء القوم إن نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم بالحق؟ فقال لهم عليّ : قد جعلنا حكم القرآن بيننا وبينهم ولا يحلّ قتالهم حتى ننظر بِمَ يحكم القرآن(١).
وهذا يعرب عن أنّ الأكثرية الساحقة كانت مصّرة على التصالح وانّ عصابة منهم ، كانوا متوقّفين في بدء الأمر ، ثمّ بدا لهم أن ينصروا الإمام في وقت ، تمّت الإتفاقية بين الطرفين وأعطى الإمام العهد بالعمل بها.
هذه الكلمة الجارحة التي صدرت من زرعة الطائي وحرقوص بن زهير السعدي ونظائرها كانت تصدر من الخوارج آونة بعد اُخرى ، وذلك لأنّهم يتّهمون عليّاً بارتكاب الإثم ولزوم التوبة بنقض الصحيفة ، وفي مقابل ذلك سطّر التاريخ مواقفاً جريئة وحرّةً صدرت عن ثلّة من أصحاب علي عليهالسلام.
هذا هو سليمان بن صرد من أصحاب علي أتاه بعد كتابة الصحيفة ووجهه مضروب بالسيف فلمّا نظر إليه علي عليهالسلام قال : ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وما بَدَّلُوا تَبْدِيلا ) فأنت ممّن ينتظر وممّن لم يبدل ، فقال يا أمير المؤمنين : أما لو وجدتُ أعواناً ما كتبت هذه الصحيفة أبداً. أما والله لقد مشيتُ في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأوّل فما وجدت أحداً عنده خير إلاّ قليلا. وقام إلى علي عليهالسلام محرز بن جريش بن ضليع ، فقال : يا أمير المؤمنين : ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل؟ فإنّي لأخاف أن يُورث ذلاّ ، فقال علي عليهالسلام أبعد أن كتبناه ننقضه؟ إنّ هذا لا يحلّ.
وقام فضيل بن خديج مخاطباً عليّاً لمّا كتبت الصحيفة : إنّ الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة ولا يرى إلاّ قتال القوم ، فقال علي عليهالسلام :
____________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٦٩.