تُعنى الشعوب الحيّة بتاريخها ، وتقف طويلاً عند أحداثه ووقائعه ، وتتطلّع إلى ما يزخر به من مواقف مضيئة ، ساهم في صنعها العظماء ، لتستهدي بها في بناء حاضرها ومستقبلها ، وتعزير وجودها وكيانها.
وهي في ذات الوقت لا تنفكّ عن ملاحظة ما شابَ تاريخَها من مساحات سوداء وصفحات مظلمة ، ودراسة الأسباب التي أدت إلى تواجدها ، بهدف إثراء التجربة وإنماء الوعي وصولاً إلى رسم حاضر ومستقبل زاهر ، تضيق فيه تلك المساحات أو تزول ، على حسب ما تتمتع به هذه الشعوب من وعي وعزم وإرادة تحثّها على تجاوز أسباب الضعف والتخلف والتقهقر.
وإذا كان التاريخ ـ كلّ تاريخ ـ بحاجة إلى دراسة وإعادة تقييم على ضوء الأفكار والمعطيات الجديدة والمناهج الحديثة لكي تنتفع به الأُمّة في مسيرتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ، فإنّ التاريخ الإسلامي لا يشذّ عن ذلك ، بل هو ـ كما نرى ـ أشدّ حاجة إلى ذلك من غيره ، لتعدّد وتنوّع العوامل التي ساهمت في العبث به تحريفاً للحقائق وتزويراً للأقوال واختلافاً للأحداث.
فقد دُوِّن جانب كبير من تاريخنا بيد حكام الجور من بني أُميّة وبني العباس وأشياعهم من تجّار الحديث والتاريخ ، وبيد مستسلمة أهل الكتاب وغيرهم من أصحاب الأهواء والأطماع والأحقاد ، الذين جهدوا في طمس الحقائق ونشر الأباطيل وترويج الأكاذيب.