أخصّ تلاميذ أبي حنيفة فكان لم ينصب للقضاء ببلاد خراسان والشام والعراق وغيرهما إلاّ من كان مقلّداً لأبي حنيفة ، فهو الذي تسبّب في نشر مذهب الحنفية في البلاد.
وفي أوان انتشار مذهب الحنفية في المشرق نشر مذهب مالك في إفريقية المغرب ، بسبب زياد بن عبد الرحمن ، فانّه أوّل من حمل مذهب مالك إليها ، وأوّل من حمل مذهب مالك إلى مصر سنة ١٦٠ ه ـ هو عبد الرحمن بن القاسم.
قال : ونشر مذهب محمد بن إدريس الشافعي في مصر بعد قدومه إليها سنة ١٩٨ وكان المذهب في مصر لمالك والشافعي إلى أن أتى القائد «جوهر» بجيوشِ مولاه المعز لدين الله أبي تميم معد الخليفة الفاطمي إلى مصر سنة ٣٥٨ فشاع بها مذهب الشيعة حتّى لم يبق بها مذهب سواه (أي سوى مذهب الشيعة).
ثمّ إنّ المقريزي بيّن بدء انحصار المذاهب في أربعة فقال :
فاستمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة ٦٦٥ حتّى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة ، وعودي من تمذهب بغيرها ، وأُنكر عليه ، ولم يُولّ قاض ولا قُبلت شهادة أحد ما لم يكن مقلّداً لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا ، إلى اليوم. (١)
وهذه الكلمة أعني : «وتحريم ما عداها» تكشف عن أعظم المصائب التي واجه بها الإسلام ، حيث إنّه قد مضى على الإسلام ما يقرب من سبعة قرون ومات فيها على دين الإسلام ما لا يحصي عددهم إلاّ ربهم ، ولم يسمع أحد من أهل القرنين الأوّلين اسم المذاهب أبداً ، وفيما بعد القرنين كان المسلمون بالنسبة إلى
__________________
(١) راجع الخطط المقريزية : ٢ / ٣٣٣ و ٣٣٤ و ٣٤٤.