ولمّا وصلت رسالة الليث إلى مالك ردّ عليها وكتب رسالة نقلها القاضي عياض (المتوفّى ٥٤٤ ه) في كتابه «ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة اعلام مذهب مالك» وحيث إنّ هذه الرسالة موجزة ننقلها بنصها ، وكان الأحرى أن ننقل رسالة الليث أيضاً ، لكن إسهابها عاقنا عن إثباتها بنصّها :
رسالة مالك إلى الليث بن سعد
من مالك بن أنس إلى الليث بن سعد.
سلام عليكم!
فإنّي أحمد الله إليك الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد عصمنا الله وإيّاك بطاعته في السر والعلانية ، وعافانا وإيّاك من كلّ مكروه. اعلم رحمك الله أنّه بلغني أنّك تفتي الناس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك ، وحاجة من قبلك إليك ، واعتمادهم على ما جاءهم منك ، حقيق بأن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتّباعه ، فإنّ الله تعالى يقول في كتابه : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (١) الآية. وقال تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٢) الآية. فإنّما الناس تبع لأهل المدينة ، إليها كانت الهجرة ، وبها نزل القرآن ، وأحلّ الحلال وحرّم الحرام ، إذ رسول الله بين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل ، ويأمرهم فيطيعونه ، ويسنّ لهم فيتّبعونه ، حتى توفّاه الله ، واختار له ما عنده صلوات الله عليه ورحمته وبركاته. ثمّ قام من بعده أتبع الناس له من أُمّته ممّن ولي الأمر من بعده ، فما نزل بهم ممّا علموا أنفذوه ، وما لم يكن
__________________
(١) التوبة : ١٠٠.
(٢) الزمر : ١٧ ـ ١٨.