الأوّل غالباً إلى التجربة التي هي دليل عقليّ قطعيّ ، بخلاف الثاني فإنّ الحكم فيه ظنّي لجهة المناسبة والمشابهة إلاّ أن ينتهي إلى مرحلة القطع.
العاشر : تخريج المناط
إذا قضى الشارع على حكم في محل من دون أن ينصَّ لمناطه ، مثلاً : إذا حرّم الربا المعاوضي في البُرّ فيعمم إلى كل مكيل بدعوى انّ مناط التحريم هو الكيل ، وهذا ما ربما يعبر عنه باستنباط علّة الحكم بطريق من الطرق ، ثمّ تعميم الحكم حسب صدقها على مواردها وقد ذكر له طرقاً سبعة أو أكثر والمهم منها هو استنباط العلة عن طريق السبر والتقسيم.
والسبر في اللغة هو الامتحان ، وتقريره : أن يُحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم وتَصْلح لأن تكون العلّة واحداً منها ، ويختبرها وصفاً وصفاً على ضوء الشروط الواجب توفّرها في العلّة ، وأنواع الاعتبار الذي تعتبر به ، وبواسطة هذا الاختبار تُستبعد الأوصاف التي لا يصحّ أن تكون علّة ويُستبقي ما يصحّ أن تكون علّة ، وبهذا الاستبعاد وهذا الاستبقاء يتوصّل إلى الحكم بأنّ هذا الوصف هو العلّة.
إنّ الغزالي ذكر لإثبات العلّة بالاستنباط طرقاً ثلاثة وجعل السبر والتقسيم النوع الأوّل وقال : وهو دليل صحيح وذلك أن يقول : هذا الحكم معلّل ولا علّة له إلاّ كذا وكذا ، وقد بطل أحدهما فتعيّن الآخر ، وإذا استقام السبر كذلك فلا يحتاج إلى مناسبة ، بل له أن يقول : حرّم الربا في البر ولا بدّ من علامة تضبط مجرى الحكم عن موقعه ، ولا علامة إلاّ الطعم أو القوت أو الكيل ، وقد بطل القوت والكيل بدليل كذا ، فثبت الطعم. لكن يحتاج هاهنا إلى إقامة الدليل على ثلاثة