٣. الاستنباط من الكتاب والسنّة :
المصدر الثالث لأقوالهم ، هو إمعانهم في الكتاب والسنّة وتدبّرهم فيهما ، فاستخرجوا من المصدرين الرئيسيين ما يخصّ العقيدة والشريعة بصورة يقصر عنها أكثر الأفهام ، وهذا هو الذي جعلهم متميّزين بين المسلمين بالوعي والدقّة والفهم ، وخضع لهم أئمّة الفقه في مواقف شتّى حتى قال الإمام أبو حنيفة بعد تتلمذه على الإمام الصادق «سنتين» : لو لا السنتان لهلك النعمان. ولأجل ذلك كانوا يستدلّون على كثير من الأحكام عن طريق الكتاب والسنّة ويقولون : «ما من شيء إلاّ وله أصل في كتاب الله وسنّة نبيّه».
أخرج الكليني باسناده عن عمر بن قيس عن أبي جعفر ـ عليهالسلام ـ قال : سمعته يقول : «إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله وجعل لكلّ شيء حدّاً. وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّاً».
أخرج الكليني باسناده عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ قال : سمعته يقول : «ما من شيء إلاّ وفيه كتاب أو سنّة».
وأخرج عن سماعة عن أبي الحسن موسى ـ عليهالسلام ـ قال : قلت له : أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه أو تقولون فيه؟ قال : «بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه». (١)
ومن وقف على الأحاديث المروية عنهم يقف على أنّهم كيف يستدلّون على الأحكام الإلهية عن المصدرين بفهم خاص ووعي متميّز يبهر العقول ، ويورث
__________________
(١) راجع الكافي : ١ / ٦٢٥٩ «باب الرد إلى الكتاب والسنّة» تجد فيه أحاديث تصرّح بما ذكر ، والمراد منها أُصول الأحكام وجذورها لا فروعها وجزئياتها.