ولو افترضنا وجود النصّ فكيف خفي في عصر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وعصر الخليفة الأوّل وسنتين من عصر الخليفة الثاني؟!
الاجتهاد تجاه النص
التحق النبيّ الأكرم بالرفيق الأعلى وقد برز بين المسلمين اتّجاهان مختلفان ، وفكران متباينان ، فعليّ وسائر أئمّة أهل البيت ، كانوا يتعرّفون على الحكم الشرعي من خلال النصّ الشرعي آية أو رواية ، ولا يعملون برأيهم بتاتاً ، وفي قبالهم لفيف من الصحابة يستخدمون الرأي للتوصّل إلى الحكم الشرعي من خلال التعرّف على المصلحة ووضع الحكم وفق متطلّباتها.
إنّ استخدام الرأي فيما لا نصّ فيه ، ووضع الحكم وفق المصلحة أمر قابل للبحث والنقاش ، إنّما الكلام في استخدامه فيما فيه نص ، فالطائفة الثانية كانت تستخدم رأيها تجاه النص ، لا في خصوص ما لا نصّ فيه من كتاب أو سنّة بل حتى فيما كان فيه نصّ ودلالة.
يقول أحمد أمين المصري : ظهر لي أنّ عمر بن الخطاب كان يستعمل الرأي في أوسع من المعنى الذي ذكرناه ، وذلك أنّ ما ذكرناه هو استعمال الرأي حيث لا نصّ من كتاب ولا سنّة ، ولكنّا نرى الخليفة سار أبعد من ذلك ، فكان يجتهد في تعرّف المصلحة التي لأجلها نزلت الآية أو ورد الحديث ، ثمّ يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه ، وهو أقرب شيء إلى ما يعبّر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيته. (١)
إنّ الاسترشاد بروح القانون الذي أشار إليه أحمد أمين أمر ، ونبذ النص
__________________
(١) فجر الإسلام : ٢٣٨ ، نشر دار الكتاب.