وقلّما يتّفق لإنسان عادي أن يقطع بأنّ ما وصل إليه من العلّة هو علّة التشريع ومناطه واقعاً ، وليس هناك ضمائم أُخرى وراء ما أدرك.
الخامس : الفرق بين علّة الحكم وحكمته
كثيراً ما يختلط على الفقيه علّة الحكم مع حكمته ، والعلّة هي ما يدور الحكم مدارها ، والحكمة أعمّ من ذلك.
وبعبارة أُخرى : لو كان الحكم دائراً مدار الشيء وجوداً وعدماً فهو علّة الحكم ومناطه ، كالإسكار بالنسبة إلى الخمر ، وأمّا إذا كان الحكم أوسع ممّا ذكر في النصّ ، أو استُنبط فهو من حِكَم الأحكام ومصالحه ، لا من مناطاته وملاكاته ، فمثلاً :
وهذا ما سمّوه ب «المناسب المؤثر» يقول خلاف : ولا خلاف بين العلماء في بناء القياس على المناسب المؤثر ويسمّون القياس بناء عليه قياساً في معنى الأصل. (١)
ولعلّ من هذا القبيل قوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في الهرة : «إنّها ليست بنجس انّها من الطوافين عليكم والطوافات». (٢) فلو كان المفهوم من الرواية «انّ الطواف» علة الحكم ويدور مدارها ، صحّ إلحاق الحشرات من الفأرة وغيرها بها ، وأمّا لو قلنا بأنّه حكمة الحكم ، لا علّته ، يتوقّف في الإلحاق.
نعم الإنجاب وتشكيل الأُسرة من فوائد النكاح ومصالحه ، وليس من مناطاته وملاكاته ، بشهادة انّه يجوز تزويج المرأة العقيمة واليائسة ومن لا تطلب ولداً بالعزل ، وغير ذلك من أقسام النكاح.
__________________
(١) مصادر التشريع فيما لا نص فيه : ٤٥.
(٢) سنن الترمذي : ١ / ١٥٤ ، كتاب الطهارة ، ح ٩٢.