وأمّا السابع ـ أعني : العمل بالمصلحة ـ فالاستحسان بهذا المعنى لا يكون أصلاً مستقلاً برأسه ، والمفروض انّه دليل في مقابل الاستصلاح ، فلم يبق من المحتملات إلاّ الوجه الآتي ، أعني :
الثامن : العدول عن مقتضى الدليل إلى ما يستحسنه المجتهد
الظاهر انّ المراد بالاستحسان هو العدول عن مقتضى الدليل باستحسان المجتهد.
وقريب منه ما يقال «دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه» ولذلك يستحسن أن يفتي على وفقه.
وبعبارة أُخرى : يستحسن أن يكون الموضوع داخلاً تحت ذلك الدليل لا الدليل الآخر من دون أن يكون له دليل على هذا سوى استحسانه.
والاستحسان بهذا المعنى قابل للنقض والإبرام ، ولذلك يصفه الشافعي بقوله : «أفرأيت إذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نصّ خبر ولا قياس ، وقال : استحسن فلا بدّ أن يزعم انّه جائز لغيره أن يستحسن خلافه ، فيقول كلّ حاكم في بلد ومفت بما يستحسن ، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا ، فإن كان هذا جائزاً عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا ، وإن كان ضيقاً فلا يجوز أن يدخلوا فيه». (١)
ولعلّ مراد الشافعي من كلامه هذا ما استظهره بعض الأجلة وقال :
والظاهر انّ مراده هو الردع عن خصوص هذا القسم ، كما تومئ إليه بقية أقواله ، ممّا لا تخضع لضوابط من شأنها أن تقلل من وقوع الاختلاف وتفسح
__________________
(١) فلسفة التشريع الإسلامي : ١٧٤.