١
مجال التحسين والتقبيح
إذا استقل العقل بحسن فعل بما هو فعل صادر عن الفاعل المختار أو قبحه ، وتجرّد في قضائه عن كلّ شيء إلاّ النظر إلى نفس الفعل فهل يكون حكم العقل كاشفاً عن حكم الشرع ، نظير استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، وحسنه معه ، فهل يستكشف منه انّ حكم الشرع كذلك؟ والجواب نعم.
وذلك لأنّ الحكم المزبور من الأحكام البديهية للعقل العملي وكلّ إنسان يجد من نفسه حسن العدل وقبح الظلم ، وإذا عرض الإنسان ذينك الأمرين على وجدانه وعقله يجد في نفسه نزوعاً إلى العدل وتنفراً عن الظلم وهكذا كلّ فعل يصدق عليه أحد العنوانين وهذا من الأحكام العقلية النابعة عن صميم العقل من دون أن يكون متأثراً عن الجوانب اللاشعورية أو الغرائز الحيوانية أو العواطف الإنسانية ، يقول العلاّمة الحلي :
انّا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من غير نظر إلى شرع ، فانّ كلّ عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه ويُقبِّح الإساءة والظلم ويذم عليه ، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشك وليس مستفاداً من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع. (١)
__________________
(١) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٥٩ ، المطبوع مع تعاليقنا.