بإلزامهم به فلمّا تبيّن أنّ المفسدة لم تندفع بذلك وما زاد الأمر إلاّ شدّة ، أخبر أنّ الأولى كان عدوله إلى تحريم الثلاث الذي يدفع المفسدة من أصلها ، واندفاع هذه المفسدة بما كان عليه الأمر في زمن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأبي بكر وأوّل خلافة عمر. (١)
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من تقسيم الأحكام إلى نوعين ، صحيح. ولكن من أين علم أنّ حكم الطلاق الثلاث من النوع الثاني ، فأيّ فرق بين حكم الواجبات والمحرّمات وقوله سبحانه : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) وكيف يتغيّر حكم وصفَ رسول الله خلافه لعباً بالدين؟
وأمّا ما ذكره من الاحتمالات الثلاثة ، فالاحتمال الأوّل هو المتعيّن وهو الموافق لكلام الخليفة نفسه ، وأمّا الاحتمالان الأخيران ـ أي جعل الثلاث واحدة كان مشروعاً بشرط وقد زال ، أو قام مانع عن إمضائه ـ فلا يعتمد عليهما ، ويبدو أن الدافع إلى تصوّر هذين الاحتمالين هو الخضوع للعاطفة وتبرير عمل الخليفة بأي نحو كان.
٥. تغيّر الأحكام حسب مقتضيات الزمان
إنّ الأحكام التي تتغيّر بتغيّر الزمان وتبدّل الظروف ، عبارة عن الأحكام التي حُدّد جوهرها برعاية المصالح ، وتركت خصوصياتها وأشكالها إلى رأي الحاكم الإسلامي ، فهذا النوع من الأحكام يتعرّض للتغيّر دون ما قام الشارع بتحديد جوهره وشكله وكيفيته ، ولم يترك للحاكم الإسلامي أيّ تدخّل فيه ، والأحكام
__________________
(١) إعلام الموقعين : ٣ / ٣٦ ، وأشار إليه أيضاً في كتابه «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» : ١ / ٣٣٦.