٢. حديث عمر
عن جابر بن عبد الله ، عن عمر بن الخطاب ، قال : هششت فقبَّلتُ وأنا صائم ، فقلت : يا رسول الله أتيت أمراً عظيماً قبّلتُ وأنا صائم ، فقال : «أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟» فقلت : لا بأس بذلك ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «ففيم؟!». (١)
قال ابن قيم الجوزية : ولو لا أنّ حكمَ المثل حكمُ مثلِه وأنّ المعاني والعلل مؤثّرة في الأحكام نفياً وإثباتاً لم يكن لذكر هذا التشبيه معنى ، فَذَكَره ليُدلّ به على أنّ حكم النظير حكمُ مثله ، وأنّ نسبة القبلة التي هي وسيلة للوطء كنسبة وضع الماء في الفم الذي هو وسيلة إلى شربه ، فكما أنّ هذا الأمر لا يضرّ ، فكذلك الآخر. (٢)
وقال السرخسي : هذا تعليم المقايسة ، فإنّ بالقبلة يفتتح طريق اقتضاء الشهوة ولا يحصل بعينه اقتضاء الشهوة ، كما أنّ بإدخال الماء في الفم يفتتح طريق الشرب ولا يحصل به الشرب. (٣)
أقول : إنّ القياس عبارة عن استفادة حكم الفرع عن حكم الأصل بحيث يعتمد أحدهما على الآخر وليس المقام كذلك ، بل كلاهما كغصني شجرة أو كجدولي نهر ، فالمبطل هو الأكل والجماع لا مقدّمتهما فبما أنّ المخاطب كان واقفاً على ذلك الحكم في الأكل دون الجماع ، أرشده النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إليه بتشبيه القبلة بالمضمضة إقناعاً للمخاطب لا استنباطاً للحكم من الأصل وليس الكلام في إقناع المخاطب ، بل في استنباط الحكم والرواية غير ظاهرة ، في الأمر الثاني الذي
__________________
(١) سنن أبي داود : ٢ / ٣١١ ، كتاب الصوم رقم ٢٣٨٥ ؛ مسند أحمد : ١ / ٢١.
(٢) إعلام الموقعين : ١ / ١٩٩.
(٣) أُصول الفقه : ٢ / ١٣٠.