تخريج المناط بالسبر والتقسيم يفيد الظنّ
إنّ تخريج المناط بالسبر والتقسيم يفيد الظن لا القطع بالمناط ، وقد عرفت تصريح عبد الوهاب خلاف باختلاف العقول في تشخيص المناط ونزيد على بيانه بأنّ هنا احتمالات أُخرى تخلُّ بعلّية المناط بالبيان التالي :
أوّلاً : نحتمل أن يكون الحكم في الأصل معلّلاً عند الله بعلّة أُخرى غير ما ظنه القائس وهو كونه صغيراً أو قاصر العقل ، وليس هذا بأمر بعيد وقد قال سبحانه : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً). (١)
إذ الإنسان لم يزل في عالم الحس تنكشف له أخطاؤه ، فإذا كان هذا حال عالم المادة الملموسة ، فكيف بملاكات الأحكام ومناطاتها المستورة على العقل إلاّ في موارد جزئية كالإسكار في الخمر ، أو إيقاع العداء والبغضاء في الميسر ، أو إيراث المرض في النهي عن النجاسات؟ وأمّا ما يرجع إلى العبادات والمعاملات خصوصاً فيما يرجع إلى أبواب الحدود والديات فالعقل قاصر عن إدراك مناطاتها الحقيقية وإن كان يظن شيئاً.
قال ابن حزم : وإن كانت العلة غير منصوص عليها فمن أيِّ طريق تعرف ولم يوجد من الشارع نص يبين طريق تعرفها؟ وترك هذا من غير دليل يعرف العلة ينتهي إلى أحد أمرين : إمّا انّ القياس ليس أصلاً معتبراً ، وإمّا انّه أصل عند الله معتبر ولكن أصل لا بيان له وذلك يؤدي إلى التلبيس ، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فلم يبق إلاّ نفي القياس. (٢)
ثانياً : لو افترضنا انّ المقيس أصاب في أصل التعليل ، ولكن من أين يعلم انّها تمام العلة ، ولعلّها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضم إليه في الواقع ولم يصل
__________________
(١) الإسراء : ٨٥.
(٢) أُصول الفقه لأبي زهرة : ٢١٠ ، نقلاً عن الاحكام.