القياس إقامة الدليل القطعي على أنّ الشارع سوّغ العمل بهذا النوع من الظن كما سوغ العمل بخبر الثقة ، فيجب علينا دراسة أدلّتهم من الكتاب والسنّة والعقل ، وهذا هو بيت القصيد في هذا الفصل وقد استدلّوا بآيات من الذكر الحكيم نذكر ما هو المهم وهي ستة :
١. آية الاعتبار
قال سبحانه في حادثة بني النضير : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ). (١)
والحشر هو الاجتماع ، قال سبحانه : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٢) ، وهو كناية عن اللقاء بين اليهود والمسلمين.
وجه الاستدلال : أنّ الله سبحانه بعد ما قصّ ما كان من بني النضير الذين كفروا ، وما حاق بهم من حيث لم يحتسبوا ، قال : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) أي فَقِسُوا أنفسَكم بهم ، لأنّكم أُناسٌ مثلهم إن فعلتم مثلَ فعلهم حاق بكم مثل ما حاق بهم ، من غير فرق بين تفسير الاعتبار بالعبور والمرور ، أو فُسِّرَ بالاتّعاظ ، فهو تقرير ، لبيان أنّ سنّة الله في ما جرى على بني النضير وغيرهم واحد. (٣)
نعم لو فسّر بالتعجب كما عن ابن حزم فلا صلة له بالقياس ، وأمّا لو فسّر بالعبور والمجاوزة فهو يرتبط به ، لأنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ، ومجاوزة
__________________
(١) الحشر : ٢.
(٢) طه : ٥٩.
(٣) الحاصل من المحصول : ٢ / ١٦٢ ؛ المحصول في علم الأُصول : ٢ / ٢٤٧.