عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار ، فقد أمرنا بالقياس وهو معنى حجّيته كما أنّه لو فسّر بالاتعاظ فهو أيضاً ظاهر في جعل الحجية للقياس ، لأنّه تقرير لسنّة الله في خلقه ، وانّ ما يجري على النظير ، يجري على نظيره. (١)
يلاحظ على الاستدلال : أوّلاً : بأنّ الآية بصدد بيان سنّة الله في الظالمين ، سواء فسّر الاعتبار بالتجاوز أو بالاتّعاظ ، وأنّ إجلاء بني النضير من قلاعهم وتخريبهم بيوتَهم بأيديهم وأيدي المؤمنين كان جزاءً لأعمالهم الإجرامية ، وأنّ الله تبارك وتعالى يعذّب الكافر والمنافق والظالم بأنحاء العذاب ولا يتركه ، فليس هناك أصل متيقّن ولا فرع مشكوك حتى نستبين حكمَ الثاني من الأوّل بواسطة المشابهة ، بل كل ذلك فرض على مدلول الآية ، وكم لها من نظائر في القرآن الكريم ، قال سبحانه : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ). (٢)
هل تجد في نفسك أنّ الآية بصدد إضفاء الحجّية على القياس؟ أو أنّها لبيان سنّة الله في المكذّبين؟ وقال سبحانه : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً). (٣)
قال سبحانه : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ). (٤)
وأدلّ دليل على أنّ الآية ليست بصدد بيان حجّية القياس ، هو أنّك لو وضعت كلمة أهل القياس مكان قول : (أُولِي الْأَبْصارِ) فقلت : فاعتبروا يا أهل
__________________
(١) مصادر التشريع الإسلامي : ٢٦.
(٢) آل عمران : ١٣٧ ـ ١٣٨.
(٣) الإسراء : ٧٦ ـ ٧٧.
(٤) هود : ٨٢ ـ ٨٣.