ومثله التلقيح الوقائي عند ظهور الأمراض السارية كالجدري ، والحصبة وغيرهما فقد أصبح من الأُمور التي لا يتردد في صلاحيتها ذوو الاختصاصات.
يقول الأُستاذ عبد الوهاب خلاف : إنّ الأحكام الشرعية إنّما شرعت لتحقيق مصالح العباد وانّ هذه المصالح التي بنيت عليها الأحكام الشرعية ، معقول ، أي ممّا يدرك العقل حسنها كما أنّه يدرك قبحها فيصح ما نهى عنه ، فإذا حدثت واقعة لا نصّ فيها ، وبنى المجتهد حكمه فيها على ما أدركه عقله من نفع أو ضرر ، كان حكمه على أساس صحيح معتبر من الشارع ولذلك لم يقع باب الاستصلاح إلاّ في المعاملات ونحوها ممّا تعقل معاني أحكامها. (١)
أقول : ما ذكره لا غبار عليه لو لا ما في قوله : «وبنى المجتهد حكمه فيها على ما أدركه عقله من نفع أو ضرر» حيث اتّخذ الإدراك الفردي ملاكاً للتشريع وهو غير صحيح ، لأنّ كون الفعل ذا مصلحة أو مفسدة عند الفقيه ، لا يكشف عن كونه كذلك في الواقع ، لقصور العقل الفردي عن الإحاطة بالمصالح والمفاسد الواقعية ، فربما يدرك المصلحة والمفسدة ويغفل عن موانعهما ، فإدراك فرد واحد أو فردين ، أو ثلاثة وجود المصلحة أو المفسدة في الفعل لا يكون ملاكاً للتشريع على وفقه.
وهذا بخلاف ما أُطبق عليه العقلاء جيلاً بعد جيل على اشتمالَ الفعل على المصلحة الملزمة أو المفسدة ، فيؤخذ بما يحكم فيه العقل.
الرابعة : إذا استدعى العمل بالتشريع الإسلامي حرجاً عاماً أو مشقة للمجتمع الإسلامي لأجل ظروف وملابسات مقطعية أو كان هناك تزاحم بين الحكمين الواقعيين ، فللحاكم الإسلامي رفع الحرج بتقديم أحكام العناوين
__________________
(١) مصادر التشريع الإسلامي : ٧٥.