وفي هذا المضمار ورد أنّ علياً ـ عليهالسلام ـ سئل عن قول الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : «إنّما قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ذلك والدين قُلٌّ ، فأمّا الآن فقد اتّسع نطاقه وضرب بجرانه فامْرؤٌ وما اختار». (١)
هذا ولمّا كان الحكم بصحة الطلاق ثلاثاً ، مثيراً للفساد ، عبر التاريخ ، قام ابن قيم ـ مع تبريره عمل الخليفة بما ذكر ـ ببيان ما ترتّب عليه من شماتة أعداء الدين به ، وها نحن ننقل نصّ كلامه :
جزاء الانحراف عن الطريق المهيع
إنّ ابن القيم ـ كما عرفت ـ كان من المدافعين المتحمّسين عن فتيا الخليفة ، وقد برّر حكمه بأنّ المصلحة يوم ذاك كانت تقتضي الأخذ بما التزم به المطلّق على نفسه ، وقد عرفت ضآلة دفاعه ووهن كلامه ، ولكنّه ذكر في آخر كلامه بأنّ المصلحة في زماننا هذا على عكس ما كان عليه زمن الخليفة ، وأنّ تصحيح التطليق الثلاث ، جرّ الويلات على المسلمين في أجوائنا وبيئاتنا ، وصار سبباً لاستهزاء الأعداء ، بالدين وأهله ، وأنّه يجب في زماننا هذا الأخذ بمُرّ الكتاب والسنّة ، وهو أنّه لا يقع منه إلاّ واحد.
ولكنّه غفل عمّا هو الحق في المقام وأنّ المصلحة في جميع الأزمنة كانت على وتيرة واحدة ، وأنّ ما حدّه سبحانه من الحدود ، هو المطابق لمصالح العباد ومصائرهم ، وأنّ الشناعة والاستهزاء اللَّتين يذكرهما ابن قيم الجوزية إنّما نجمتا من الانحراف عن الطريق المهيَع والاجتهاد تجاه النص بلا ضرورة مفضية إلى العدول ومن دون أن يكون هناك حرج أو كلفة ، ولأجل ذلك نأتي بكلامه حتى يكون عبرة
__________________
(١) نهج البلاغة ، الحكمة رقم ١٦. لاحظ كتابنا مفاهيم القرآن : ٣ / ٢٦٥ ـ ٢٧٥.