وبين الله ، العقل». (١)
هذا الحديث وما قبله وغيرهما يعرب عن نظر الإسلام السامي في الأحكام التي يستقل بها العقل بشرط أن يتجرّد عن الرواسب المنحرفة ، والغرائز الحيوانية ، والعواطف الإنسانية ، ويحكم حكماً باتاً عقلانياً محضاً غير منبعث عن هذه الجوانب ويحترز عن بعض الأساليب التي منع الشارع عن إعمالها في طريق استنباط الحكم الشرعي كالأقيسة والاستحسانات ، وما هذا لانّها تفيد الظنّ.
وعلى ذلك جرى علماؤنا من عصر مبكر إلى يومنا هذا ، فحصروا الأدلة الشرعية في أربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، فلنذكر نصاً من أحد علمائنا القدامى.
يقول ابن إدريس الحلّي (٥٣٩ ـ ٥٩٨ ه) : إنّ الحقّ لا يعدو أربع طرق : إمّا كتاب الله سبحانه ، أو سنّة رسوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ المتواترة المتفق عليها ، أو الإجماع ، أو دليل العقل ، فإذا فقدت الثلاثة فالمعتمد في المسائل الشرعية عند المحقّقين الباحثين عن مأخذ الشريعة ، التمسكُ بدليل العقل فيها ، فانّها مبقاة عليه وموكولة إليه ، فمن هذا الطريق يوصل إلى العلم بجميع الأحكام الشرعية في جميع مسائل أهل الفقه ، فيجب الاعتماد عليها والتمسّك بها فمن تنكّب عنها عسف وخبط خبط عشواء ، وفارق قولُه من المذهب. (٢)
وحصيلة الكلام : إذا كان حكم العقل منبعثاً عن الجانب العقلي المحض ، غير متأثر بالجوانب اللاشعورية ، والغرائز الحيوانية ، والعواطف الإنسانية ، وتجنب عن الأساليب الممنوعة ، وحكم من صميم التدبر والتفكر بحكم بات
__________________
(١) الكافي : ١ / ٢٥ ، الحديث ٢٢.
(٢) السرائر : ١ / ٤٦.