الخامس : الاستحسان والعمل بأقوى الدليلين
إذا كان بين الدليلين تعارض بنحو التباين أو بنحو العموم والخصوص من وجه ، يُعمل بأقوى الدليلين ، فالأوّل كما إذا ورد «ثمن العذرة سحت» ، وورد أيضاً «لا بأس ببيع العذرة». والثاني كما إذا قال : أكرم العلماء وقال أيضاً : لا تكرم الفاسق ، فاجتمع الدليلان في العالم الفاسق ، ففي هذه الموارد يرجع إلى مرجحات باب التعارض التي طرحها الأُصوليون في باب التعادل والترجيح ، وأهمّ المرجّحات هو موافقة الكتاب ، أو موافقة السنّة ، أو كون أحد الدليلين موافقاً لما هو المشهور بين العلماء ، أو غير ذلك.
ونظير ذلك إذا كان بين الدليلين تزاحم كما إذا تزاحم الأمر بإنقاذ نفس محترمة بالتصرف في أرض الغير ، أو تزاحم أداء الدين مع الحجّ إلى غير ذلك من موارد المتزاحمين ، فيرجع فيهما إلى أقوى الدليلين ملاكاً وأعظمهما أهمية.
فلو أُريد من الاستحسان هذا فلا أظن أن يكون هذا موضع اختلاف بين مالك والشافعي ، أو بين القائلين به والنافين له.
السادس : الاستحسان والأخذ بالعرف
وربما يفسر الاستحسان بالرجوع إلى العرف كما في عقد «الاستنصاع» وهو عقد على معدوم وقد قيل بصحته لأخذ العرف به ، ولعلّ المراد من العرف هو السيرة ولكنّها لا تكون دليلاً على مشروعية العقد إلاّ أن تكون متصلة إلى عصر المعصوم حتّى يقع موقع إقراره.
ومن عجيب الأمر أن يتوارد النفي والإثبات على موضوع كالاستحسان من دون أن يحدد مفهوم الاستحسان.