للتحريم ، وإغراءً للنفوس به ، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كلّ الإباء ، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك ، فانّ أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثمّ أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعدّ متناقضاً ، ولحصل من رعيته وجنده ضدّ مقصوده ، وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه ، وإلاّ فسد عليهم ما يرومون إصلاحه ، فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال ، ومن تأمّل مصادرها ومواردها علم أنّ الله تعالى ورسوله سدّ الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرّمها ونهى عنها.
يلاحظ عليه : بأنّ الحرام ـ كما سيوافيك ـ الجزء الأخير من المقدّمة الذي لا ينفك عن ذيها.
إذا وقفت على أدلّة القائلين بهذا الأصل وما فيه فلنرجع إلى تحليل القاعدة.
أقول : يقع الكلام في مقامين :
الأوّل : تحليل القاعدة وتبيين مكانتها في علم الأُصول.
الثاني : دراسة الأمثلة الّتي فرّعوها عليها.
١. مكانة القاعدة في علم الأُصول
إنّ قاعدة سدّ الذرائع ليست قاعدة مستقلة وإنّما ترجع لإحدى القاعدتين :
الأُولى : وجود الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدّمته.
فمغزى القاعدة عبارة عن أنّه إذا حُرِّم الشيء ، حرِّمت مقدّماته وذرائعه التي يتوصل الإنسان بها ، وهي مطروحة في كتب الأُصول ، فمنهم من حرّم مطلقَ المقدّمة ، ومنهم من حرّم المقدّمة الموصلة ، ومنهم من حرّم الجزء الأخير من المقدّمة