الحياة في البر والإحسان ، لأنّ ذلك يدعو إلى الحسد والبغضاء مع أنّه لا خلاف في جوازه ، وما نقل عن النبي من النهي ، فهو محمول على التنزيه لا التحريم إذ لم يقل أحد بحرمة التفضيل في الحياة. وسيوافيك الكلام فيما تصور من الحكمة.
والأوْلى عرض المسألة على الكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فيكفي في جواز الوصية قوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).(١)
المراد من حضور الموت : ظهور أماراته من المرض والهرم وغيره ، ولم يرد إذا عاين ملك الموت ، لأنّ تلك الحالة تشغل الإنسان عن الوصيّة ، وأيضاً يجب أن يراعى جانب المعروف في مقدار الوصية والموصى له ، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف ، كما أنّ الإيصاء للغني دون الفقير خارج عن المعروف ، فانّ المعروف هو العدل الذي لا ينكر ، ولا حيف فيه ولا جور.
والآية صريحة في الوصية للوالدين ، ولا وارث أقرب للإنسان من والديه ، وقد خصّهما بالذكر لأولويّتهما بالوصية ثم عمّم الموضوع وقال : (وَالْأَقْرَبِينَ) ليعمّ كل قريب ، وارثاً كان أم لا.
وهذا صريح الكتاب ولا يصح رفع اليد عنه إلاّ بدليل قاطع مثله ، وقد أجاب القائلون بعدم الجواز عن الاستدلال بالآية بوجهين :
١. آية الوصية منسوخة بآية المواريث
قالوا : إنّها منسوخة بآية المواريث ، فعن ابن عباس والحسن : نسخت
__________________
(١) البقرة : ١٨٠.