وقال بعضهم : لما في إيثار بعض الورثة من غير رضا الآخرين ما يؤدي إلى الشقاق والنزاع وقطع الرحم وإثارة البغضاء والحسد بين الورثة.
لكن هؤلاء غفلوا عن أنّ ما ذكروه من الوجه ليس كلياً ، بل ولا غالبياً ، إذ ربما يكون بعض الورثة أولى ببعض الميراث من غيرهم ، كما إذا كان المورث صاحب كتاب مخطوط أو مطبوع لا يستفيد منه إلاّ الوارث الطالب دون الآخرين المشتغلين بالتجارة ، فهل الإيصاء عندئذ يوجب البغضاء؟
وربما يكون الموصى له عاجزاً مقعداً مستحقاً للإيصاء فهل يثير الإيصاء في المقام البغضاء والحسد ، ولأجل ذلك نرى أنّ قانون الوصية في مصر أخذ برأي الشيعة الإمامية في سنة ١٩٤٦ م ، فأجاز الوصية للوارث في حدود الثلث من غير إجازة الورثة ، نعم التزم القانون السوري برأي الجمهور وهي انّ الوصية لا تنفذ إلاّ إذا أجازها الورثة.
ومع أنّ الكتب الفقهية للمذاهب الأربعة تنفي جواز الوصية للوارث ، إلاّ إذا أجاز الورثة ، حتى أنّ بعضهم يقول بأنّ الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلاّ أن يعطوه عطية مبتدأة (١) ـ ومع هذا التصريح ـ ينقل الشيخ محمد جواد مغنية : ما زال عمل المحاكم الشرعية السنّية في لبنان على عدم صحّة الوصية للوارث ، ومنذ سنوات قدّم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية للوارث ورغبوا إليها في تبنّيه. (٢)
يلاحظ على ما ذكره ابن قدامة من الحكمة : أنّها لا تقاوم الذكر الحكيم ، واتّفاق أئمّة أهل البيت ، ولو صحّت لزم تحريم تفضيل بعضهم على بعض في
__________________
(١) المصدر نفسه.
(٢) الفقه على المذاهب الخمسة : ٤٦٥.