وقد فتح هذا الاعتراف للإسلام بقاء وخلوداً ، وجعله صالحاً للانطباق مع عامة الحضارات الإنسانية ، وغدا التشريع الإسلامي في ضوئه ذا سعة وانطلاق وشمول لما يتجدد من الأحداث ولما يطرأ من الأوضاع الاجتماعية الجديدة.
هذا بخلاف ما إذا اعتبرناه عنصراً غريباً في صعيد التشريع وعزلناه عن الحكم ورفضنا كلّ ما يدركه من الأحكام العقلية المحضة ، فانّه يؤدي إلى تجميد المخطط القانوني ، وعدم صلاحيته للحكم والتطبيق في البيئات والظروف الاجتماعية المختلفة.
نعم ليس معنى الاعتراف بحجّية العقل ، انّه يطلق سراحه في جميع المجالات حتّى يتاح له أن يتسرع في الحكم في مصالح الفرد والمجتمع وشكل العلاقات والروابط الاجتماعية والعبادات والأحكام التوقيفية.
بل يفسح له الحكم في مجالات خاصة إذا توفرت فيه الشرائط التي تصونه عن الاشتباه والخطأ واقترن بالضمانات الكافية التي تحفظه عن الزلل.
وقد نصّ أئمّة أهل البيت على حجّيته في مجالات خاصة ، فهذا هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم ـ عليهالسلام ـ يخاطب تلميذه هشام بن الحكم ويقول : «يا هشام : ما بعث الله أنبياءَه ورسلَه إلى عباده إلاّ ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
يا هشام انّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ؛ فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول». (١)
وقال الصادق ـ عليهالسلام ـ : «حجّة الله على العباد ، النبي ، والحجّة على ما بين العباد
__________________
(١) الكافي : ١ / ١٦ ، الحديث ١٢.