ومنها يظهر حكم القياس ، وذلك لأنّ المفروض وجود الشكّ في حجّية القياس حيث إنّ البحث الآن فيما لم يدعمه دليل ونهى عنه ومعه يكون الاحتجاج به غير صحيح ، إلاّ إذا دل الدليل القطعي على حجيته ، كما أنّ الأثرين الأخيرين ، أعني : اسناد مضمونه إلى الشارع والاستناد إليه في مقام العمل من آثار ما علم كونه حجّة ، وإلاّ يكون الاسناد والاستناد بدعة ، وتشريعاً محرماً ، حيث إنّ الاستناد إلى مشكوك الحجية في مقام العمل واسناد مؤدّاه إلى الشارع تشريع عملي وقولي دلّت على حرمته الأدلة الأربعة.
وعلى ضوء ما ذكرنا فالقاعدة الأوّلية هو عدم حجّية أيّ ظن من الظنون بمعنى انّه لا يحتج به ما لم يقم على صحّة الاحتجاج به دليل ، ومن تلك الظنون القياس فالأصل فيه عدم الحجّية ، فإن قام على حجّيتها دليل فهو وإلاّ كان العمل به بدعة داخلة تحت قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ). (١)
ومفاد الآية انّ كلّ ما لم يأذن به الله فاسناده إلى الله والاستناد إليه في مقام العمل يعد افتراءً على الله ، ونظيره قوله سبحانه : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). (٢)
ومفاد الآية انّ التقول على الله بما لا يعلم كونه من الله أمر محرم ، سواء أمر به في الواقع أم لا.
وعلى ضوء ذلك فنفاة القياس في فسحة من إقامة الدليل على حجيته ، لأنّ الأصل عدم حجّية الظن إلاّ ما قام على حجيته الدليل ، وإنّما يلزم على مثبتي
__________________
(١) يونس : ٥٩.
(٢) الأعراف : ٢٨.