ويقول أيضاً في كتاب آخر : إنّ من الأفعال ما هو معلوم الحُسن والقبح بضرورة العقل ، كعلمنا بحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضار ، فكلّ عاقل لا يشكّ في ذلك ، وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب ، وأنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.
ومنها ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه فيكشف الشرع عنه كالعبادات.
وقالت الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح شرعيان ، ولا يقضي العقل بحسن شيء منها ولا بقبحه ، بل القاضي بذلك هو الشرع ، وما حسّنه فهو حسن وما قبحه فهو قبيح. (١)
ومن حسن الحظ انّ الذكر الحكيم يشير إلى موقف العقل من درك تحسين الأشياء وتقبيحها ، فترى أنّه يحتج في موارد بقضاء فطرة الإنسان على حسن بعض الأفعال وفي الوقت نفسه يقبح بعضها على وجه يُسلِّم انّ الفطرة الإنسانية صالحة لهذين الإدراكين ، ولذلك يتخذ وجدان الإنسان قاضياً صادقاً في قضائه ويقول :
١. (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). (٢)
٢. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ). (٣)
٣. (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ). (٤)
ففي هذه الطائفة من الآيات يوكّل الذكرُ الحكيم القضاءَ إلى وجدان
__________________
(١) نهج الحق وكشف الصدق : ٨٣.
(٢) ص : ٢٨.
(٣) القلم : ٣٥.
(٤) الرحمن : ٦٠.