وقد اقتدى الشيعة في فتح هذا الباب على مصراعيه في وجه الأُمّة بأئمّة دينهم وخلفاء رسولهم الذين حثُّوا شيعتهم بأقوالهم وأفعالهم على التفقّه في الدين والاجتهاد فيه ، وانّه «مَن لم يتفقه فهو اعرابي» ، وأرشدوهم إلى كيفية استخراج الفروع المتشابكة من الآيات والقواعد المتلقاة عنهم ، بالتدبّر فيهما ، وأمروا أصحابهم بالتفريع ، وقد بلغت عنايتهم بذلك إلى حد دفعهم إلى تنصيب بعض من يعبأ بقوله ورأيه ، لمنصب الإفتاء ، إلى غير ذلك.
غير انّ أهل السنّة قد أقفلوا باب الاجتهاد إلاّ الاجتهاد في مذهب خاص ، وبما انّ الفتاوى المنقولة عن الأئمّة مختلفة ، أخذ علماء كلّ مذهب يبذلون جهدهم لتشخيص ما هو رأي كلّ إمام في هذا الباب.
ولا أدري لما ذا أقفل هذا الباب المفتوح من زمن الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، وإن تفلسف في بيان وجهه بعض الكتّاب من متأخّريهم ، وقال : ولم يكن مجرّد إغلاق باب الاجتهاد باجتماع بعض العلماء وإصدار قرار منهم ، وإنّما كان حالة نفسية واجتماعية ، ذلك انّهم رأوا غزو التتر لبغداد وعسفهم بالمسلمين ، فخافوا على الإسلام ، ورأوا انّ أقصى ما يصبون إليه هو أن يصلوا إلى الاحتفاظ بتراث الأئمة ممّا وضعوه واستنبطوه. (١)
ولا يخفى ما في اعتذاره من الإشكال ، وسوف يوافيك بيان الأسباب الّتي أدّت إلى الاغلاق.
وأمّا زمان إقفاله فيظهر من المقريزي في خططه انّه أقفل عام ٦٦٥ ه ، قال :
إنّه تولّى القاضي أبو يوسف القضاء من قبل هارون الرشيد بعد سنة ١٧٠ إلى ان صار قاضي القضاة ، فكان لا يولّي القضاء إلاّ من أراده ، ولمّا كان هو من
__________________
(١) رسالة الإسلام : العدد الثالث من السنة الثالثة عن مقال أحمد أمين المصري.