مصيبا في صبابة ، ما قرعت بابه ، ولا استرجعت قبل أن أعبر عبابه. اللهمّ إلّا أن تكون تلك الآيات البيّنات من بنات يراعتك ، لا براعتك ، ومغترس تلك الزّهر ، الطالعة كالكواكب الزّهر ، مختلس يد استطاعتك ، لا زراعتك ، وإلّا فنطّرح مصائد التعليم والإنشاء ، وننتظر معنى قوله عزّ وجلّ يؤتي الحكمة من يشاء ، أو نتوسّل في مقام الإلحاح والإلحاف ، أن ننقل من غائلة الحسد إلى الإنصاف ، وحسبي أن أطلعت بالحديقة الأنيقة ، ووقفت من مثلى تلك الطّريقة على حقيقة ، فألفيت بها بيانا ، قد وضح تبيانا أو أطلق عنانا ، ومحاسن وجدت إحسانا ، فتمثّلت إنسانا ، سرّح لسانا ، وأجهد بنانا ، إلّا أنّ صادح أيكتها يتململ في قيظ ، ويكاد يتميّز من الغيظ ، فيفيض ويغيض ، ويهيض وينهض ثم يهيض ، ويأخذ في طويل وعريض ، بتسبيب وتعريض ، ويتناهض في ذلك بغير مهيض ، وفاتن كمائمها تسأل عن الصّادح ، ويتلقّف عصا استعجاله ما يفكّه المادح ، ويحرق بناره زند القادح ، ويتعاطى من نفسه بالإعجاب ، ويكاد ينادي من وراء حجاب ، إن هذا لشيء عجاب. إيه بغير تمويه رجع الحديث الأول ، إلى ما عليه المعوّل ، لا درّ درّها من نصيحة غير صحيحة ، ووصيّة مودّة صريحة ، تعلقت بغير ذي قريحة ، فهي استعجلتني بداهية كاتب ، واستطالة ظالم عاتب ، قد سلّ مرهفه ، واستنجد مترفه ، وجهّزها نحو كتيبته تسفر عن تحجيل ، بغير تبجيل ، وسحابة سجلّ ترمي بسجّيل ، ما كان إلّا أن استقلّت ، ورمتني بدائها وانسلّت ، وألقت ما فيها وتخلّت ، فحسبي الله تغلّب على فهمي ، ورميت بسهمي ، وقتلت بسلاحي ، وأسكرت براحي ، برئت برئت ، مما به دهيت ، أنت أبقاك الله لم تدن بها مني منالا وعزّا ، فكيف بها تنسب إليّ بعدك وتعزى؟ نفسي التي هي أرقّ وأجدر بالمعالي وأحقّ ، وشكلي أخفّ على القلوب وأدقّ ، وشمائلي أملك فلا تسترق ، ولساني هو الذي يسأل فلا يفلّ ، وقدري يعزّ ويجلّ ، عما فخرت أنت به من ملعب مائدة ، ومجال رقاب متمايدة ، فحاشى سيدي أن يقع منه بذلك مفخر ، إلا أن يكون يلهو ويسخر ، وموج بحره بالطّيّب والخبيث تزخر ، وعين شكلي هي بحمد الله عين الظّرف ، المشار إليه بالبنان والطّرف. وأما تعريض سيدي بصغر القامة ، وتكبيره لغير إقامة ، فمطّرد قول ، ومدامة غول ، وفريضة نشأ فيها عول ، إذ لا مبالاة تجسم كائنا ما كان ، أو ما سمعت أنّ السّر في السّكان ، وإنما الجسد للرّوح مكان ، ولم يبق إليه فقد يروح ، وقد قال ويسألونك عن الرّوح ، والمرء بقلبه ولسانه ، لا بمستظهر عيانه ، ولله درّ القائل : [الكامل]
لم يرضني أني بجسم هائل |
|
والرّوح ما وفّت له أغراضه |
ولقد رضيت بأنّ جسمي ناحل |
|
والروح سابغة به فضفاضه |