على ذوي اعتقاده كنت صاحب الفريضة (١) والدّين ، دام بقاؤك لطرفة (٢) تبديها ، وغريبة تردفها بأخرى تليها ، وعقيلة بيان تجلّيها ، ونفس أخذ الحزن بكظمها ، وكلف الدّهر بشتّ نظمها ، تؤنسها وتسلّيها ، لم أزل أعزّك الله ، أشدّ على بدائعها (٣) يد الضّنين (٤) ، وأقتني درر كلامك ، ونفثات أقلامك ، اقتناء الدّرّ الثمين ، والأيام بلقياك تعد ، ولا تسعد ، وفي هذه الأيام انثالت عليّ سماوك بعد قحط ، وتوالت (٥) عليّ آلاوك على شحط (٦) ، وزارتني من عقائل بيانك كلّ فاتنة الطّرف ، عاطرة العرف ، رافلة في حلل البيان والظّرف ، لو ضربت بيوتها بالحجاز ، لأقرّت لنا العرب العاربة بالإعجاز ، ما شئت من رصف المبنى ، ومطاوعة اللّفظ لغرض المعنى ، وطيب الأسلوب ، والتّشبّث بالقلوب ، غير أن سيّدي أفرط في التّنزّل ، وخلط المخاطبة بالتّغزّل ، وراجع الالتفات ، ورام استدراك ما فات. يرحم (٧) الله شاعر المعرّة ، فلقد أجاد في قوله ، وأنكر مناجاة الشّوق (٨) بعد انصرام حوله ، فقال (٩) : [البسيط]
أبعد حول تناجي الشّوق (١٠) ناجية |
|
هلّا ونحن على عشر من العشر (١١) |
وقد (١٢) تجاوزت في الأمد (١٣) ، وأنسيت أخبار صاحبك عبد الصّمد ، فأقسم بألفات القدود ، وهمزات الجفون السّود ، وحاملي (١٤) الأرواح مع الألواح ، بالغدوّ والرّواح ، لو لا بعد مزارك ، ما أمنت غائلة ما تحت إزارك. ثمّ إنّي حقّقت الغرض ، وبحثت عن المشكل الذي عرض ، فقلت : للخواطر انتقال ، ولكلّ مقام مقال ، وتختلف الحوائج باختلاف الأوقات ، ثم رفع اللّبس خبر الثّقات.
__________________
(١) الفريضة : الإرث أو الحصّة منه. لسان العرب (فرض).
(٢) الطرفة : الغريب المستحسن. لسان العرب (طرف).
(٣) في النفح : «بدائعك».
(٤) الضنين : البخيل. لسان العرب (ضنن).
(٥) في النفح : «وتواترت لديّ».
(٦) الشّحط : البعد.
(٧) في النفح : «ويرحم الله تعالى».
(٨) في الأصل : «للشوق» ، والتصويب من النفح.
(٩) كلمة «فقال» غير واردة في النفح. والبيت للمعري وهو في شروح سقط الزند (ص ١١٤).
(١٠) في الأصل : «للشوق» ، وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١١) الناجية : الناقة السريعة. العشر : شجر ؛ وأراد هنا المكان الذي ينبت فيه. لسان العرب (نجا) و (عشر).
(١٢) في النفح : «ولقد».
(١٣) في الأصل : «الأمل» : والتصويب من النفح.
(١٤) في نفح الطيب : «وحامل».