وحنيت الضّلوع على بثّ ، وأغمضت الجفون على قذى ، إلى أن كان من نكبته (١) ما هو معروف ، جعلها الله له طهورا.
ولمّا جرت الحادثة على السلطان (٢) بالأندلس ، وكان لحاق جميعنا بالمغرب ، جنيت ثمرة ما أسلفته في ودّه ، فوفّى كيل (٣) الوفا ، وأشرك في الجاه ، وأدرّ الرّزق ، ورفع المجلس بعد التّسبيب (٤) في الخلاص والسّعي في الجبر ، جبره الله تعالى ، وكان له أحوج ما يكون إلى ذلك ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩))(٥).
ولما انقضى أمر سلطانه ، رحمه الله ، وقذف به بحر التّمحيص إلى شطّه ، وأضحى جوّ النّكبة بعد انطباقه ، آثر التّشريق بأهله وجملته ، واستقرّ بتونس خطيب الخلافة ، مقيما على رسمه من التّجلّة ، ذائع الفضل هنالك والمشاركة ، وهو بحاله الموصوفة إلى الآن ، كان الله له.
وكنت (٦) أحسست منه في بعض الكتب (٧) الواردة صاغية إلى الدّنيا ، وحنينا لما فارق (٨) من غرورها ، فحملني الطّور الذي ارتكبته في هذا الأيام ، بتوفيق الله ، على أن خاطبته (٩) بهذه الرسالة ، وحقّها أن يجعلها خدمة الملوك ممّن ينسب إلى نبل ، أو يلمّ (١٠) بمعرفة ، مصحفا يدرسه ، وشعارا يلتزمه ، وهي (١١) :
سيدي الذي يده البيضاء لم تذهب بشهرتها المكافاة (١٢) ، ولم تختلف في مدحها الأفعال ولا تغايرت في حمدها (١٣) الصّفات ، ولا تزال تعترف بها العظام الرّفات ، أطلقك الله من أسر الكون (١٤) كما أطلقك من أسر بعضه ، ورشّدك (١٥) في سمائه العالية وأرضه ، وحقّر الحظّ في عين بصيرتك بما يحملك على رفضه. اتّصل بي الخبر السّار من تركك لشانك ، وإجناء الله إيّاك ثمرة إحسانك ، وانجياب ظلام
__________________
(١) في النفح : «نكبته الثالثة».
(٢) في النفح : «الدولة».
(٣) في النفح : «فوفّى الكيل».
(٤) في النفح : «التسبّب».
(٥) سورة الشعراء ٢٦ ، الآيتان : ٨٨ ، ٨٩.
(٦) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٣٧ ـ ١٣٨).
(٧) في النفح : «كتبه الواردة إليّ صاغية ...».
(٨) في النفح : «بلاه».
(٩) في النفح : «أخاطبه».
(١٠) في النفح : «ويلمّ».
(١١) الرسالة مع الشعر في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٣٨ ـ ١٣٩).
(١٢) في النفح : «المكافات».
(١٣) قوله : «في حمدها» غير وارد في النفح.
(١٤) في النفح : «كل الكون».
(١٥) في النفح : «وزهّدك في سمأته الفانية وفي أرضه».