مكلّفة لك غير ما في طوقك ، فإن لم تنل أغراضها (١) قلبت عليك السّماء من فوقك؟ ألجلساء ببابك ، لا يقطعون زمن (٢) رجوعك وإيابك ، إلّا بقبيح اغتيابك؟ فالتّصرّفات تمقت ، والقواطع النّجوميّات (٣) توقّت ، والألاقيّ (٤) تبثّ ، والسعايات تحثّ ، والمساجد يشتكى فيها (٥) البثّ ، يعتقدون أن السلطان في يدك بمنزلة الحمار المدبور ، واليتيم المحجور ، والأسير المأمور ، ليس له شهوة ولا غضب ، ولا أمل في الملك ولا أرب ، ولا موجدة (٦) لأحد كامنة ، وللشّر ضامنة ، وليس في نفسه عن رأي نفرة ، ولا بإزاء ما لا يقبله نزوة وطفرة ، إنما هو جارحة لصيدك ، وعان في قيدك ، وآلة لتصرّف كيدك ، وأنّك علّة حيفه ، ومسلّط سيفه : الشّرار يسملون عيون الناس باسمك ، ثم يمزّقون بالغيبة مزق جسمك ، قد تنخّلهم الوجود أخبث ما فيه ، واختارهم السّفيه فالسّفيه ، إذ الخير يسرّه (٧) الله عن الدّول ويخفيه ، ويقنعه بالقليل فيكفيه ، فهم يمتاحون بك ويولونك الملامة ، ويقتحمون (٨) عليك أبواب القول ويسدّون طرق السّلامة ، وليس لك في أثناء هذه إلّا ما يعوزك مع ارتفاعه ، ولا يفوتك مع انقشاعه ، وذهاب صداعه ، من غذاء يشبع ، وثوب يقنع ، وفراش ينيم ، وخديم يقعد ويقيم. وما الفائدة في فرش تحتها جمر الغضا ، ومال من ورائه سوء القضا ، وجاه يحلّق عليه سيف منتضى؟ وإذا بلغت النّفس إلى الالتذاذ بما لا تملك ، واللّجاج حول المسقط الذي تعلم أنها فيه تهلك (٩) ، فكيف تنسب (١٠) إلى نبل ، أو تسير (١١) مع (١٢) السعادة في سبل؟ وإن وجدت في القعود (١٣) بمجلس التّحية ، بعض الأريحيّة ، فليت شعري أيّ شيء زادها ، أو معنى أفادها ، إلّا مباكرة وجه الحاسد ، وذي القلب الفاسد ، ومواجهة العدوّ المستأسد؟ أو شعرت ببعض الإيناس ، في الركوب بين الناس. هل (١٤) التذّت إلّا بحلم كاذب ، أو جذبها غير الغرور مجاذب (١٥)؟ إنما الحلية (١٦) وافتك من يحدّق إلى البزّة ، ويستطيل مدّة العزّة ، ويرتاب إذا حدّث (١٧)
__________________
(١) في النفح : «فإن لم يقع الإسعاف قلبت ...».
(٢) في النفح : «زمان».
(٣) كلمة «النجوميات» ساقطة في النفح.
(٤) الألاقيّ : جمع ألقيّة وهي ما ألقي من التحاجي والألغاز. لسان العرب (لقي).
(٥) في النفح : «في حلقها».
(٦) الموجدة : الغضب. لسان العرب (وجد).
(٧) في النفح : «يستره».
(٨) في المصدر نفسه : «ويفتحون».
(٩) في الأصل : «تملك» والتصويب من النفح.
(١٠) في الأصل : «ينسب» والتصويب من النفح.
(١١) في الأصل : «أو يسر» والتصويب من النفح.
(١٢) في النفح : «من».
(١٣) في النفح : «الجلوس».
(١٤) في النفح : «ما».
(١٥) في النفح : «جاذب».
(١٦) في النفح : «إنما راكبك من يحدّق إلى الحلية والبزّة ...».
(١٧) في النفح : «حدثت».